الحمد لله المتفرد بواحدانية الألوهية المتعزز بعظمة الربوبية الرحمن الرحيم ، الذى خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مثيل، و بسط نعمه على العباد و هو على كل شىء وكيل
و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و قائدنا إلى الجنة باذن الرحمن محمد ، خير من وطأ أرض الله أطيب الطيبين الصادق الأمين المبعوق رحمة للعالمين
أما بعد:-
فهذا بحث فى دلائل النبوة على الأسس التى اتفق عليها أهل العقل و علماء النقل نتناوله بإختصار و اقتضاب بلا استرسال ولا اسهاب ليكون مرجعاً سهلاً يسيراً لكل باحث عن الحق او سائل عن نبوة سيد الخلق~
و سنتناول فيه بإذن الله تعالى خمسة مباحث كل منهم يحوى حجة فى اثبات النبوة و هى:
(1) سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل البعثة و صفاته الخلقية والخلقية
(2) معجزاته الباهرة المادية و الخبرية و معجزته الكبرى كتاب الله الحكيم
(3) البشارات الحسان برسول الله صلى الله عليه و سلم فى كتب اليهود و النصارى و غيرهم
(4) طبيعة الرسالة التى بعثه الله تعالى بها من عقائد و أحكام و اخلاق
(5) الأثر الذى تركه رسول الله صلى الله عليه و سلم
و دورى فى هذا البحث تجميع ما قرأت فى كتب العلما و أصحاب السير و سأعقب فى ختامه بسرد المراجع بإذن الله تبارك و تعالى
لعل من أبرز الفوائد الماتعة التى نعرج عليها أثناء دراسة سيرة النبى صلى الله عليه و سلم أنها أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل، أو عظيم مصلح, فقد وصلت إلينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصح الطرق العلمية وأقواها ثبوتا مما لا يترك مجالاً للشك في وقائعها البارزة وأحداثها الكبرى
إن الميزة من صحة السيرة صحة لا يتطرق إليها شك لا توجد في سيرة رسول من رسل الله السابقين، فموسى عليه السلام قد اختلطت عندنا وقائع سيرته الصحيحة بما أدخل عليها اليهود من زيف وتحريف، ولا نستطيع أن نركن إلى التوراة الحاضرة لنستخرج منها سيرة صادقة لموسى عليه السلام، فقد أخذ كثير من النقاد الغربيين يشكون في بعض أسفارها وبعضهم يجزم بأن بعض أسفارها لم يكتب في حياة موسى عليه السلام ولا بعده بزمن قريب، وإنما كتب بعد زمن بعيد من غير أن يعرف كاتبها، وهذا وحده كاف للتشكيك في صحة سيرة موسى عليه السلام كما وردت في التوراة
ولذلك ليس أمام المسلم أن يؤمن بشيء من صحة سيرته إلا ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
ومثل ذلك يقال في سيرة عيسى عليه السلام، فهذه الأناجيل المعترف بها رسميا لدى الكنائس المسيحية إنما أقرت في عهد متأخر عن السيد المسيح بمئات السنين، وقد اختيرت – بدون مسوغ علمي – من بين مئات الأناجيل التي كانت منتشرة في أيدي المسيحيين يومئذ. ثم إن نسبة هذه الأناجيل لكاتبيها لم يثبت عن طريق علمي تطمئن النفس إليه، فهي لم ترو بسند متصل إلى كاتبيها، على أن الخلاف قد وقع أيضا بين النقاد الغربيين في أسماء بعض هؤلاء الكاتبين من يكونون؟ وفي أي عصر كانوا؟
وإذا كان هذا شأن سير الرسل أصحاب الديانات المنتشرة في العالم، كان الشك أقوى في سيرة أصحاب الديانات والفلاسفة الآخرين الذين يعد أتباعهم بمئات الملايين في العالم، كبوذا وكونفوشيوس، فإن الروايات التي يتناقلها أتباعهم عن سيرتهم ليس لها أصل معتبر في نظر البحث العلمي، وإنما يتلقفها الكهان فيما بينهم، ويزيد فيها كل جيل عن سابقه بما هو من قبيل الأساطير والخرافات التي لا يصدقها العقل النير المتحرر الخالي من التعصب لتلك الديانات.
وهكذا نجد أن أصح سيرة وأقواها ثبوتا متواترا هي سيرة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فإن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة كل الوضوح في جميع مراحلها، منذ زواج أبيه عبد الله بأمه آمنة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فنحن نعرف الشيء الكثير عن ولادته، وطفولته وشبابه، ومكسبه قبل النبوة، ورحلاته خارج مكة، إلى أن بعثه الله رسولا كريما، ثم نعرف بشكل أدق وأوضح وأكمل كل أحواله سنة فسنة، ما يجعل سيرته عليه الصلاة والسلام واضحة وضوح الشمس، كما قال بعض النقاد الغربيين: إن محمدًا (عليه الصلاة والسلام) هو الوحيد الذي ولد على ضوء الشمس.
وهذا ما لم يتيسر مثله ولا قريب منه لرسول من رسل الله السابقين، فموسى عليه السلام لا نعرف شيئا قط عن طفولته وشبابه وطرق معيشته قبل النبوة، ونعرف الشيء القليل عن حياته بعد النبوة، مما لا يعطينا صورة مكتملة لشخصيته، ومثل ذلك يقال في عيسى عليه السلام، فنحن لا نعرف شيئا عن طفولته إلا ما تذكره الأناجيل الحاضرة، من أنه دخل هيكل اليهود، وناقش أحبارهم، فهذه هي الحادثة الوحيدة التي يذكرونها عن طفولته، ثم نحن لا نعلم من أحواله بعد النبوة إلا ما يتصل بدعوته، وقليلا من أسلوب معيشته، وما عدا ذلك فأمر يغطيه الضباب الكثير.
فأين هذا مما تذكره مصادر السيرة الصحيحة من أدق التفاصيل في حياة رسولنا الشخصية، كأكله، وقيامه، وقعوده، ولباسه، وشكله، وهيئته، ومنطقه، ومعاملته لأسرته، وتعبده، وصلاته، ومعاشرته لأصحابه، بل بلغت الدقة في رواة سيرته أن يذكروا لنا عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته صلى الله عليه وسلم
و بذلك كانت سيرة محمد صلى الله عليه و سلم و حياته ودعوته دليلاً عظيما لا نقول على نبوته فحسب بل على صحة وجود ونبوة موسى و عيسى و إبراهيم و الأنبياء أجمعين.
شرف نسب رسول الله صلى الله عليه و سلم
- فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش أشرف قبيلة في العرب، وأزكاها نسبا وأعلاها مكانة، وقد روي عن العباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا» (رواه الترمذي بسند صحيح).
و قال عليه السلام : ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)) (رواه مسلم)
و قال صلى الله عليه و سلم: ((خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء)) حسنه الألباني فى صحيح الجامع 3225
قال ابن إسحاق : {وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظا على العهود . متخلقا بمكارم الأخلاق . يحب المساكين ويقوم في خدمة الحجيج ويطعم في الأزمات . ويقمع الظالمين . وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رءوس الجبال}
وقد أعطاه الله مزية عظيمة ألا و هى أنه أُمرفى المنام أن يحفر زمزم و وصف له موضعها فكان له شرف اعادة جريان ماء تلك البئر الشريفة و الحديث عن أمير المؤمنين على ابن أبى طالب قال :
(( بينا عبد المطلب نائم في الحجر أُتي فقيل له : احفر برة ، فقال : وما برة ؟ ثم ذهب عنه ، حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك فأُتي فقيل له : احفر المصونة ، قال : وما المصونة ؟ ثم ذهب عنه ، حتى إذا كان الغد فنام في مضجعه ذلك فأُتي فقيل له : احفر طيبة ، فقال : وما طيبة ؟ ثم ذهب عنه ، فلما كان الغد عاد لمضجعه فنام فيه فأُتي فقيل له : احفر زمزم ، فقال : وما زمزم ؟ فقال : لا تنزف ، ولا أبينا . ثم نعت له موضعها فقام يحفر حيث نعت . فقالت له قريش : ما هذا يا عبد المطلب ؟ فقال : أمرت بحفر زمزم ، فلما كشف عنه وبصروا بالطي قالوا : يا عبد المطلب إن لنا حقا فيها معك ، إنها لبئر أبينا إسماعيل . فقال : ما هي لكم ، لقد خصصت بها دونكم . قالوا : أتحاكمنا ؟ قال : نعم . قالوا : بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم ، وكانت بأطراف الشام ، فركب عبد المطلب في نفر من بني أمية ، وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر ، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الحجاز والشام ، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا بالهلكة ، ثم استقوا القوم فقالوا : ما نستطيع أن نسقيكم ، وإنا نخاف مثل الذي أصابكم . فقال عبد المطلب لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك . قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته ، فكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه ، فضيعة رجل أهون من ضيعة جميعكم ، ففعلوا ثم قال : والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت ولا نضرب في الأرض ونبتغي ، لعل الله أن يسقينا لعجز . فقال لأصحابه : ارتحلوا . فارتحلوا وارتحل . فلما جلس على ناقته ، فانبعثت به . انفجرت عين تحت خفها بماء عذب . فأناخ وأناخ أصحابه ، فشربوا واستقوا وأسقوا ، ثم دعوا أصحابهم : هلموا إلى الماء فقد سقانا الله ، فجاؤوا واستقوا وأسقوا ثم قالوا : يا عبد المطلب ! قد والله قضي لك . إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة ، لهو الذي سقاك زمزم ، انطلق فهي لك ، فما نحن بمخاصميك))
رواه عبدالله بن زرير الغافقي و صححه الالبانى
ثم أن عبدالمطلب نذر لان رزقه الله بعشرة ابناء يمنعوه لينحرن أحدهم : فلما كبرو أبناءه العشر فاقرع بين ابناءه فكان عبدالله/ فأشفق أبوه عليه و كان يحبه فذهب لعرافة فقالت ان يضرب القداح بين ابنه و عشرة من الابل فخرجت عليه فظل يزيد عشرا عشرا حتى بلغت المئة
و لذلك روى عن النبى كما فى سيرة ابن هشام و فى تاريخ الطبرى أنه قال ((أنا ابن الذبيحين))
و روى الحاكم و ابن جرير و غيرهما عن عبد الله بن سعيد الصنابحى قال: ((حضرنا مجلس معاوية فتذاكر القوم إسماعيل و إسحاق أيهما الذبيح؟ فقال البعض إسماعيل و قال البعض إسحاق فقال معاوية: على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله(صلى الله عليه و سلم) فأتى أعرابى فقال : يل رسول الله خلفت الكلأ يابسا و المال عابسا ,هلك العيال و ضاع المال فعد على مما أفاء الله عليك يا إبن الذبيحين فتبسم رسول الله(صلى الله عليه و سلم) و لم ينكر عليه فقال القوم من الذبيحين يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر ماء زمزم نذر لله لإن سهل أمرها أن ينحر بعض ولده فلما فرغ أسهم بينهم و كانو عشرة فخرج السهم على عبد الله فأراد أن ينحره فمنعه أخواله بنو خزوم و قالو أرض ربك و افد ابنك ففداه بمائة ناقة ,قال معاوية: هذا واحد و الأخر إسماعيل))
ولمكانة هذا النسب الكريم في قريش لم نجدها فيما طعنت به على النبي صلى الله عليه وسلم لاتضاح نسبه بينهم، ولقد طعنت فيه بأشياء كثيرة مفتراة إلا هذا الأمر لأن النبى كان منهم و معروف نسبه و حاله عندهم قبل بعثته لذا كان الله يرشد عقولهم إلى صدق رسوله بتذكريهم أنه صاحبهم الذى عرفو نسبه و صدقه و امانته و رجاحة عقله فقال تعالى
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}
و قال عز و جل {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ}
و قال سبحانه {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}
و تواترت الايات فى بيان ان النبى من انفسكم ايها العرب و من قلب اشرافكم كما دعى ابراهيم بذلك قائلاً { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم }
و قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم }
وقال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي منكم و بلغتكم
لذا قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي و المغيرة بن شعبة لرسول كسرى: ((إن الله بعث فينا رسولاً منا نعرف نسبه و صفته و مدخله و مخرجه و صدقه و أمانته)) رواه أحمد
و هذا له حكمة لطيفة إذ كلما كان الداعية إلى الله في شرف من قومه، كان ذلك أدعى إلى استماع الناس له، فإن من عادتهم أن يزدروا بالدعاة إذا كانوا من بيئة مغمورة، أو نسب وضيع، فإذا جاءهم من لا ينكرون شرف نسبه، ولا مكانة أسرته الاجتماعية بينهم، لم يجدوا ما يقولونه عنه إلا افتراءات يتحللون بها من الاستماع إلى دعوته، والإصغاء إلى كلامه
ملحوظة: و هذه الحقائق الساطعة عقلاً و نقلاً تدفعنا للتعجب مما نجده فى هذه الأيام المتأخرة من افلاس فكرى يتجلى فى طعونات خائبة حمل لواء افكها أنصاف الأميين من حاقدى الصليبيين الذين بلغ بهم الجهل مرحلة العضال صعب البراء فيستشهدون بروايات واهية و هم لا يفقهون فيضربون بعضها ببعض ظناً منهم أنها تؤدى الى الطعن فى نسب سيد الخلق ، و كأن بنى هاشم و قريشاً و مضر النسابة نسوا او غفلوا عما يطعن به هؤلاء القوم الذين يتباهون بعبادة اله بشرى هو ابن زنا فى اربع طبقات ولا حول ولا قوة الا بالله)
أية حادثة الفيــــــــــــــل
و هى أية عظيمة و إرهاص باهر خادته أيات القرأن الخكيم فى سورة تحمل اسم الفيل
فقال تعالى ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)))
قال ابن كثير:
[هَذِهِ مِنْ النِّعَم الَّتِي اِمْتَنَّ اللَّه بِهَا عَلَى قُرَيْش فِيمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ أَصْحَاب الْفِيل الَّذِينَ كَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى هَدْم الْكَعْبَة وَمَحْو أَثَرهَا مِنْ الْوُجُود فَأَبَادَهُمْ اللَّه وَأَرْغَمَ آنَافهمْ وَخَيَّبَ سَعْيهمْ وَأَضَلَّ عَمَلهمْ وَرَدَّهُمْ بِشَرِّ خَيْبَة وَكَانُوا قَوْمًا نَصَارَى وَكَانَ دِينهمْ إِذْ ذَاكَ أَقْرَب حَالًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ قُرَيْش مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَلَكِنْ كَانَ هَذَا مِنْ بَاب الْإِرْهَاص وَالتَّوْطِئَة لِمَبْعَثِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْعَام وُلِدَ عَلَى أَشْهَر الْأَقْوَال , وَلِسَان حَال الْقُدْرَة يَقُول : لَمْ نَنْصُرْكُمْ يَا مَعْشَر قُرَيْش عَلَى الْحَبَشَة لِخَيْرِيَّتِكُمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ صِيَانَة لِلْبَيْتِ الْعَتِيق الَّذِي سَنُشَرِّفُهُ وَنُعَظِّمهُ وَنُوَقِّرهُ بِبَعْثَةِ النَّبِيّ الْأُمِّيّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَم الْأَنْبِيَاء
وَأَرْسَلَ أَبَرْهَة يَقُول لِلنَّجَاشِيِّ إِنِّي سَأَبْنِي كَنِيسَة بِأَرْضِ الْيَمَن لَمْ يُبْنَ قَبْلهَا مِثْلهَا فَشَرَعَ فِي بِنَاء كَنِيسَة هَائِلَة بِصَنْعَاء رَفِيعَة الْبِنَاء عَالِيَة الْفِنَاء مُزَخْرَفَة الْأَرْجَاء سَمَّتْهَا الْعَرَب الْقُلَّيْس لِارْتِفَاعِهَا لِأَنَّ النَّاظِر إِلَيْهَا تَكَاد تَسْقُط قَلَنْسُوَته عَنْ رَأْسه مِنْ اِرْتِفَاع بِنَائِهَا وَعَزَمَ أَبَرْهَة الْأَشْرَم عَلَى أَنْ يَصْرِف حَجّ الْعَرَب إِلَيْهَا كَمَا يُحَجّ إِلَى الْكَعْبَة بِمَكَّة وَنَادَى بِذَلِكَ فِي مَمْلَكَته فَكَرِهَتْ الْعَرَب الْعَدْنَانِيَّة وَالْقَحْطَانِيَّة ذَلِكَ وَغَضِبَتْ قُرَيْش لِذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى قَصَدَهَا بَعْضهمْ وَتَوَصَّلَ إِلَى أَنْ دَخَلَهَا لَيْلًا فَأَحْدَثَ فِيهَا وَكَرَّ رَاجِعًا فَلَمَّا رَأَى السَّدَنَة ذَلِكَ الْحَدَث رَفَعُوا أَمْره إِلَى مَلِكهمْ أَبَرْهَة وَقَالُوا لَهُ إِنَّمَا صَنَعَ هَذَا بَعْض قُرَيْش غَضَبًا لِبَيْتِهِمْ الَّذِي ضَاهَيْت هَذَا بِهِ فَأَقْسَمَ أَبَرْهَة لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْت مَكَّة وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا .
وَكَانَ عَبْد الْمُطَّلِب رَجُلًا جَسِيمًا حَسَن الْمَنْظَر . وَنَزَلَ أَبَرْهَة عَنْ سَرِيره وَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى الْبِسَاط وَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك ؟ فَقَالَ لِلتُّرْجُمَانِ إِنَّ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ الْمَلِك مِائَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي فَقَالَ أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك ثُمَّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ لَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ . قَالَ مَا كَانَ لِيَمْتَنِع مِنِّي قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ وَيُقَال إِنَّهُ ذَهَبَ مَعَ عَبْد الْمُطَّلِب جَمَاعَة مِنْ أَشْرَاف الْعَرَب فَعَرَضُوا عَلَى أَبَرْهَة ثُلُث أَمْوَال تِهَامَة عَلَى أَنْ يَرْجِع عَنْ الْبَيْت فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَرَدَّ أَبَرْهَة عَلَى عَبْد الْمُطَّلِب إِبِله وَرَجَعَ عَبْد الْمُطَلِّب إِلَى قُرَيْش فَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة وَالتَّحَصُّن فِي رُءُوس الْجِبَال تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّة الْجَيْش ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش يَدْعُونَ اللَّه وَيَسْتَنْصِرُونَ عَلَى أَبَرْهَة وَجُنْده فَقَالَ عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة : لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْء يَمْ نَع رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالك لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ أَبَدًا مِحَالَك]
الإرهاصات بعظمة شأنه من شهادات معاصريه
1)) وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : ((يا رسول الله أخبرنا عن نفسك . قال : نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام)) (صحيح السيرة النبوية للألبانى- و كذلك فى السلسلة الصحيحة 1545 )
2)) وروى محمد بن إسحاق عن حسان بن ثابت قال :
((والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة ب ( يثرب ) : يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك مالك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به))
.
وروى أبو نعيم ومحمد بن حيان عن أسامة بن زيد قال : قال زيد بن عمرو بن نفيل :
((قال لي حبر من أحبار الشام : قد خرج في بلدك نبي أو هو خارج قد خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه)) (صحيح السيرة للالبانى)
3)) كانت تعرف في رسول الله النجابة من صغره، وتلوح على محياه مخايل الذكاء الذي يحببه إلى كل من رآه، فكان إذا أتى الرسول وهو غلام جلس على فراش جده، وكان إذا جلس عليه لا يجلس معه على الفراش أحد من أولاده (أعمام الرسول)، فيحاول أعمامه انتزاعه عن الفراش، فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنًا.( سيرة ابن هشام 1/168
4))حادثة الراهب بحيرا:و فيها خرج أبو طالب إلى الشام ومعه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب ـ يعني بحيرا ـ هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فنزل وهو يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء وأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هذا سيد العالمين ـ زاد البيهقي : ورسول رب العالمين ابتعثه الله رحمة للعالمين ـ فقال له أشياخ قريش : وما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من الثنية لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه ،
و فى رواية أبى موسى الأشعرى أن بحيرا قد تفرس فيه عليه السلام ورأى معالم النبوة في وجهه وبين كتفيه ، فلما سأل أبا طالب : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني ، قال : ما ينبغي أن يكون أبوه حيا ! قال : فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلى به . قال صدقت ، ارجع به إلى بلدك واحذر عليه يهود (سيرة ابن هشام- البداية و النهاية لابن كثير)
عصمته من أمور الجاهلية صلى الله عليه و سلم
لم يشارك عليه الصلاة والسلام أقرانه من شباب مكة في لهوهم ولا عبثهم، وقد عصمه الله من ذلك، ولم يشارك قومه في عبادة الأوثان، ولا أكل شيئا مما ذبح لها، ولم يشرب خمرا، ولا لعب قمارا، ولا عرف عنه فحش في القول، أو [قبحٌ] في الكلام.
عن أنس بن مالك؛ ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان. فأخذه فصرعه فشق عن قلبه. فاستخرج القلب. فاستخرج منه علقة. فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم. ثم لأمه. ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره) فقالوا:إن محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)).
(رواه مســـــــــــلم)
{عن جابر بن عبد الله يقول لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة فقال عباس اجعل إزارك على رقبتك من الحجارة ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال إزاري إزاري فشد عليه إزار}
مسند أحمد و كذا رواه الشيخان
فهذا الحديث أيضاً يشهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن ربه تعالى عصمه من عادات الجاهلية السيئة
و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله عز وجل فيهما قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاء غنم أهلها فقلت لصاحبي أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان فقال بلى قال فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير فقلت ما هذا قالوا تزوج فلان فلانة فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت ما فعلت شيئا ثم أخبرته بالذي رأيت ثم قلت له ليلة أخرى أبصر لي غنمي حتى أسمر ففعل فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فسألت فقيل نكح فلان فلانة فجلست أنظر وضرب الله أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت لا شيء ثم أخبرته الخبر فوالله ما هممت ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته ))
رواه الطبرى و غيره و صححه الحاكم و تبعه الذهبى 287 ، و حسنه الألبانى فى المطالب العلية لابن حجر العسقلانى 4/361
وكان عليه السلام يعتزل قومه وماهم عليه من الوثنية أذ حبب الله إليه عليه الصلاة والسلام قبل البعثة بسنوات أن يخرج إلى غار حراء - يخلو فيه لنفسه ليفكر في آلاء الله، وعظيم قدرته، واستمر على ذلك حتى جاءه الوحي، ونزل عليه القرآن الكريم.
و هذا يعلمنا مدى قيمة عبادة التفكر و التدبر فى أيات الله و دلائل عظمته و وحدانيته فيجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفينة والفينة أوقات يخلو فيها بنفسه، تتصل فيها روحه بالله جل شأنه، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة، والحياة المضطربة من حوله، ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه إن قصرت في خير، أو زلت في اتجاه، أو جانبت سبيل الحكمة، أو أخطأت في سبيل ومنهج أو طريق، أو انغمست مع الناس في الجدال والنقاش حتى أنسته ذكر الله والأنس به وتذكر الآخرة، وجنتها ونارها، والموت وغصصه وآلامه، ولذلك كان التهجد وقيام الليل فرضا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، مستحبا في حق غيره، وأحق الناس بالحرص على هذه النافلة هم الدعاة إلى الله وشريعته وجنته، وللخلوة والتهجد والقيام لله بالعبودية في أعقاب الليل لذة لا يدركها إلا من أكرمه الله بها، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول في أعقاب تهجده وعبادته: نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها.
وحسبنا قول الله تبارك وتعالى مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}
1- أنه نشأ يتيما، فقد مات أبوه عبد الله وأمه حامل به لشهرين فحسب، ولما أصبح له من العمر ست سنوات ماتت أمه آمنة فذاق صلى الله عليه وسلم في صغره مرارة الحرمان من عطف الأبوين وحنانهما، وقد كفله بعد ذلك جده عبد المطلب، ثم توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنوات، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب حتى نشأ واشتد ساعده، وإلى يتمه أشار القرآن الكريم بقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6].
و كان فى تحمله عليه السلام آلام اليتم أو العيش، وهو في صغره ما جعله أكثر إحساسا بالمعاني الإنسانية النبيلة، وامتلاءً بالعواطف الرحيمة نحو اليتامى أو الفقراء أو المعذبين، وأكثر عملا لإنصاف هذه الفئات والبر بها والرحمة لها.
2- نشأته صلى الله عليه و سلم فى بيئة صحراوية فطرية إذ أمضى السنوات الأربع الأولى من طفولته في الصحراء في بني سعد، فنشأ قوي البنية، سليم الجسم، فصيح اللسان، جريء الجنان، يحسن ركوب الخيل على صغر سنه قد تفتحت مواهبه على صفاء الصحراء وهدوئها، وإشراق شمسها ونقاوة هوائها.
فكان ذلك أدعى إلى صفاء ذهنه، وقوة عقله وجسمه ونفسه، وسلامة منطقه وتفكيره، ولذلك لم يختر الله العرب لأداء رسالة صدفة ولا عبثا، بل لأنهم كانوا بالنسبة إلى من يجاورهم من الأمم المتمدنة أصفى نفوسا، وأسلم تفكيرا، وأقوم أخلاقا، وأكثر احتمالا لمكاره الحروب في سبيل دعوة الله ونشر رسالته في أنحاء العالم
«ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم» فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فأجاب: «وأنا رعيتها لأهل مكة على قراريط» رواه البخارى
3-وعرف عنه منذ إدراكه رجحان العقل، وأصالة الرأي، وكذلك عرف عليه الصلاة والسلام بين قومه بالصادق الأمين، واشتهر بينهم بحسن المعاملة، والوفاء بالوعد، واستقامة السيرة، وحسن السمعة،
لذلك كان أول الناس تلبية لحلف الفضول و هو الحلف الذى اجتمعت فيه قبائل قريش بعد فاجعة حرب الفجار التى انتهكت فيها حرمة الشهر الحرام، فاجتمعوا فى دار عبدالله بن جدعان لسنه و شرفه، فتعاهدوا على ألا يجدوا فى مكة مظلوا من أهلها أو غيرهم إلا نصروه حتى ترد عليه مظلمته ، بل و ظل عليه السلام مادحاً شاكراً لهذا الحلف الذى قام على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وإن كان فى الجاهليه فقال عليه السلام (( لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت))
*و لذلك كان نعم الحكم المستأمن في حادثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة عندما أصاب الكعبة سيل أدى إلى تصدع جدرانها، فقرر أهل مكة هدمها وتجديد بنائها، وفعلوا، فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود فيها اختلفوا اختلافا شديدا فيمن يكون له شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، وأرادت كل قبيلة أن يكون لها هذا الشرف، واشتد النزاع حتى تواعدوا للقتال، ثم ارتضوا أن يحكم بينهم أول داخل من باب بني شيبة، فكان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا بحكمه، فلما أخبر بذلك، حل المشكلة بما رضي عنه جميع المتنازعين، فقد بسط رداءه ثم أخذ الحجر فوضعه فيه، ثم أمرهم أن تأخذ كل قبيلة بطرف من الرداء، فلما رفعوه وبلغ الحجر موضعه، أخذه ووضعه بيده، فرضوا جميعا، وصان الله بوفور عقله وحكمته دماء العرب من أن تسفك إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
( مسند الامام أحمد ، و رواه أبوداود الطيالسى عن على رضى الله عنه، و أروده الالبانى فى صحيح السيرة النبوية)
*و لذلك أيضاً رغبت خديجة رضى الله عنها في أن تعرض عليه الاتجار بمالها في القافلة التي تذهب إلى مدينة (بصرى) كل عام على أن تعطيه ضعف ما تعطي رجلا من قومها، فلما عاد إلى مكة وأخبرها غلامها ميسرة بما كان من أمانته وإخلاصه، ورأت الربح الكثير في تلك الرحلة، أضعفت له من الأجر ضعف ما كانت أسمت له، ثم حملها ذلك على أن ترغب في الزواج منه، فقبل أن يتزوجها وهو أصغر منها بخمسة عشر عاما،
*و لذا كان أفضل شهادة له بحسن خلقه قبل النبوة قول خديجة له بعد أن جاءه الوحي في غار حراء وعاد مرتعدا:
((كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل (الضعيف)، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)).(رواه البخارى)
يجمع كل ما أسلفناه من شرف رسول الله و حنيفيته و أمانته و صدقه و رجاحة عقله و كرم دعوته حديث أبى سفيان رضى الله عنه مع هرقل عظيم الروم
{حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن أبا سفيان بن حرب أخبره:
أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشأم ، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها ابا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه ،
فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسبا ،
فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم إني سائل عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه .
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟
قلت : هو فينا ذو نسب .
قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا .
قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟
فقلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون .
قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
قلت : لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قلت : لا .
قال : فهل يغدر ؟
قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها "ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة" . (هنا يشهد ايو سفيان الصحابى الجليل أنه ما وجد جواباً واحداً يمكنه ان يدخل فيه شبهة حول رسول الله الا هذه الكلمة التى قالها فما أعظمه من نبى)
قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم .
قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟
قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منا وننال منه .
قال : ماذا يأمركم ؟
قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
فقال للترجمان : قل له : سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله ، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله .
وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت رجل يطلب ملك أبيه .
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله .
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ،
وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك هل يغدر ، فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .
وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ،
فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه ، لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه .
ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، فقرأه ، فإذا فيه : [بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، و : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون }]
قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب ، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا ، فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر
رواه البخارى - كتاب بدء الوحي. - باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمحمد صلى الله عليه و سلم هو أعظم رجل في التاريخ بشهادة خصومه قبل أتباعه كما سيرد إن شاء الله
و قد أخرج البخاري في التاريخ الصغير عن أبي طالب:
وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد
وقد كان اسمه أحمد كما جاءت تسميته في الكتب السابقة ، قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:
-{ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}.
وتسميته محمدا وقعت في القرآن؛ سمي محمدا:
- لأن ربه حمده قبل أن يحمده الناس، وفي الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس.
- ولأنه خص بسورة الحمد، وبلواء الحمد، وبالمقام المحمود.
- وشرع له الحمد بعد الأكل، والشرب، والدعاء، وبعد القدوم من السفر.
وسميت أمته الحمادين، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه...
* * *
وأما عن صفاته الخَلقية :
فإن الله ابتعث رسوله وجيهاً جميلاً كريماً من أوسط اللبشر أجمعين اهل مشارقهم و اهل مغاربهم الأبيض منهم و الأسمر و الاصفر و الأحمر
- كان فخماً متلألأ مليحا أزهر شديد البياض جميل الوجه مشربا بحمرة مثل القمر في استدارته وجماله، ومثل الشمس في إشراقه، إذا سر يستنير ويتهلل وتنفرج أساريره(البخاري ومسلم و الترمذى)
و روى البخارى أن ابن عمر قد تمثل قول أبو طالب فى رسول الله:
وأبيضُ يستسقى الغمام بوجهه *** ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل
- جميل العينين طويل شعر عينه، تحسبه أكحل و ليس بأكحل (الترمذي وأحمد وأبو يعلى والحاكم والطبراني)
- كان صلى الله عليه وسلم أقني الأنف مستوٍ من أوله إلى أخره (ابن عساكر و صححه الألبان بالشواهد)
- ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد. (البخاري ومسلم)
- عريض الصدر، ممتلىءٌ لحماً، ليس بالسمين ولا بالنحيل، مستوى البطن والظهر(الطبراني والترمذي وابن نعيم وابن عساكر والبيهقي و صحيح ابن ماجة)
- بعيد بين المنكبين و على كتفه خاتمم النبوة. (البخارى و مسلم)
- كان عنقه صلى الله عليه وسلم كأنه إبريق فضة (ابن سعد والبيهقي)
- شعره حسن شديد السواد ليس بالجعد ؛ وهو الشعر الذي يلتف على بعضه، ولا بالسبط؛ وهو الشعر المسترسل شديد النعومة، وإنما بين ذلك، يبلغ شعره شحمة أذنيه أحياناً و منكبيه حيناً يفرقه فرقتين من وسط الرأس(البخارى و غيره)
* إذا مشطه بالمشط كأنه حبك الرمل ، أو كأنه المتون التي تكون في الغدر إذا سفتها (البيهقى) الرياح
- له لحية كثة عظيمة تملاً صدره وفي شعر رأسه ولحيته شعيرات بيض لا تبلغ العشرون. ( البخاري)
- واسع الفم، والعرب تمدح بذلك وتذم بصغر الفم، (مسلم)
إذا تكلم رُئي كالنور يخرج من بين ثناياه (الدرامي والترمذي)
- يداه رحبتان كبيرتان واسعتان لينة الملمس كالحرير، يقول أنس: "ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم". متفق عليه
- قدماه عظبمتان لينة الملمس، فكان يجمع في بدنه وأطرافه بين لين الملمس وقوة العظام. ( البخاري و غيره)
- يداه باردتان، لهما رائحة المسك يقول وائل بن حجر: " لقد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يمس جلدي جلده، فأتعرقه بعد في يدي، وإنه لأطيب رائحة من المسك". الطبراني والبيقهي
* وعن جابر بن سمرة: "مسح رسول الله خدي، فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار"(مسلم)
حتى إذا مر في طريق من طرق المدينة، وجد منه رائحة المسك، فيقال: مر رسول الله
وكان عرقه أطيب من ريح المسك، حتى قال أنس: " كأن عرقه اللؤلؤ " (مسلم)
وجمعت أم سليم من عرق النبي صلى الله عليه وسلم فجعلته في طيبها. (البخارى)
- إبطه أبيض، من تعاهده نفسه بالنظافة والتجمل. (البخارى و مسلم)
- إذا مشى يسرع، كأنما ينحدر من أعلى، لا يستطيع أحد أن يلحق به..( احمد وابن سعد وصححه أحمد شاكر)
- إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطقكلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، وإذا التفت التفت جميعاً لا برأسه فقط
فجمع الله له بين الجمال و الهيبة و الوقار((الهيثمى و شواهده فى الصحيح)
فقال جابر بن سمرة قال ((جعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر)). (أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي)
و قال عمرو ابن العاص فى حديث وفاته عن طبقات حياته : ((وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت...الحديث)) رواه مسلم
و قال عبدالله بن سلام كبير احبار اليهود فى المدينة لما رأى رسول الله: ((نظرت فى وجهه فعلمت أنه ليس بوجه كذاب)) (رواه البخارى)
* * *
أما عن صفاته الخُلقية:
- كان خلقه القرأن (مسلم)
- وكان يذكر الله على كل أحواله(مسلم )
- أصدق الناس، لُقب بالصادق الأمين ، و شهدوا له يوم خطب بالجبل ليصدع بالدعوة قائلين: ما جربنا عليك إلا صدقا (رواه مسلم)
- يعظم بر الوالدين، ، بكى على قبر أمه إذ أُذن له بزيارتها دون الإستغفار لها (رواه مسلم)
- كان أجود الناس، أجود بالخير من الريح المرسلة. (متفق عليه)
* ما سئل شيئا فقال: "لا" . يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. (مسلم)
* و كان لا يمنع شيئاً يسأله (أحمد و صححه الألبانى)
- أشجع الناس، عن أنس قال: كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس(متفق عليه)
* قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وإن الشجاع منا للذي يحاذى به يعني النبي صلى الله عليه وسلم " (متفق عليه)
- ما عرض عليه أمران إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما. (البخارى و مسلم)
- أشد حياء من العذراء في خدرها. (البخارى)
- ما عاب شيئا قط. (البيهقى و صححه الألبانى بالشواهد)
- ما عاب طعاما قط؛ إن اشتهاه أكله وإلا تركه. (البخارى)
- كان يردف خلفه ، و يضع الطعام على الأرض، و يجيب دعوة المملوك (الحاكم و صححه الألبانى)
- كان أعبد الناس
*عن عبد الله بن الشخير رضى الله عنه قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء" ( رواه أبو داود بسند صحيح)
*وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقالت عائشة : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : "أفلا أكون عبداً شكوراً" (رواه البخاري.)
- إذا تكلم تكلم ثلاثا، بتمهل، لا يسرع ولا يسترسل، لو عد العاد حديثه لأحصاه.(البخارى)
- لا يحب النميمة ويقول لأصحابه: " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". (أبو داود و الترمذى و صححه أحمد شاكر)
- خلوق رؤوف، قال أنس: "خدمت رسول الله عشر سنين، والله ما قال لي: أفا قط. ولا لشيء فعلته: لم فعلت كذا ؟، وهلا فعلت كذا؟". (مسلم )
- يحلم على الجاهل، ويصبر على الأذى. (البخارى ومسلم)
- يتبسم في وجه محدثه و يأمر بذلك(البخارى)
*يقبل على من يحدثه، حتى يظن أنه أحب الناس إليه. الألبانى و صححه)
- يسلم على الأطفال ويداعبهم و يحنو عليهم ، و يتجوز فى صلاته إن سمع بكاء الصغير رأفة بأمه .(البخارى و مسلم )
* أتى أعرابى فأنكر على الصحابة أنهم يقبلون أطفالهم فقال له عليه السلام:وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة" (متفق عليه)
* كان يداعب صغيراً له عصفور فيسأله : يا أبا عمير ما فعل النغير ( متفق عليه)
* كان يزور الأنصار و يسلم على صبيانهم ، و يمسح على رؤوسهم (النسائى و صححه الألبانى)
- كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشى مع الأرملة و المسكين و العبد حتى يقضى له حاجته (النسائى و صححه الألبانى)
- كان يأتى ضعفاء المسلمين و يزورهم و يعود مرضاهم، و يشهد جنائزهم (الحاكم و صححه الألبانى)
- ما التقم أحد أذنه، يريد كلامه، فينحّي رأسه قبله. (أبو داود بسند صحيح)
- يبدأ من لقيه بالسلام. (البخارى و مسلم)
- يأخذ بيد من يحدثه ، ولا ينزعها قبله.( أبوداود بسند صحيح)
- خير الناس لأهله يصبر عليهم، ويغض الطرف عن أخطائهم، ويعينهم في أمور البيت، يخصف نعله، ويخيط ثوبه. (البخارى فى الأدب/صححه الألبانى)
- يأتيه الصغير، فيأخذ بيده يريد أن يحدثه في أمر، فيذهب معه حيث شاء..(البخارى)
- يجالس الفقراء و ولا يأكل متكئاً (البخارى)
* يجلس كما يجلس العبد و يأكل كما يأكل العبد (أبو شيبة و أبو يعلى و الطبرانى بمراسيل صحيحة و وصله البزار)
*و يجلس القرفصاء محتبياً بيديه خاشعاً لله (حسنه الألبانى، و رواه الهيثمى برجال ثقات)
- يكره أن يقوم له أحد، كما ينهى عن الغلو في مدحه. (البخارى و غيره على شرطه)
* عن أنس قال: كانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك . (رواه الترمذي )
* كان يقول عليه السلام: لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسول( متفق عليه )
- وقاره عجب، لا يتكلم إلا عند الحاجة، بكلام يعد يحوي جوامع الكلم، حسن السمت. (البخارى و غيره)
* لا يضحك إلا تبسما، عن عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم ) "رواه البخاري)
- إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه.(متفق عليه)
- لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، ولا سخابا، بالأسواق، ولا لعانا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. (الترمذى و احمد بسند صحيح)
- لا يقابل أحدا بشيء يكرهه، وإنما يقول: (ما بال أقوام ). (البخارى)
- لا يغضب ولا ينتقم لنفسه، إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، فينتقم لله. (البخارى)
- ما ضرب بيمينه قط ولا إمرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله.(رواه مسلم)
- عظيم الوفاء و الاخلاص، تقول السيدة عائشة:ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن "(رواه البخاري)
- أوفى الناس بالعقود، يكرم صاحب الحق ، و يقضى الدين بالأحسن و يقول: إن من خيركم أحسنكم قضاء (متفق عليه)
* يوم الفتح اخذ مفتاح الكعبة من عثمان ابن طلحة سادنها فى الجاهلية ليدخلها...فقال على و المفتاح بيده فقال: اجمع لنا الحجابة مع السقاية , صلى الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فدعى له , فقال له : هاك مفتاحك يا عثمان , اليوم يوم وفاء وبر( صححه العلامة أحمد شاكر)
- لا تأخذه النشوة والكبر عن النصر:
* دخل في فتح مكة إلى الحرم خاشعا مستكينا، ذقنه يكاد يمس ظهر راحلته من الذلة لله تعالى والشكر له.. لم يدخل متكبرا، متجبرا، مفتخرا، شامتا.
* وقف أمامه رجل وهو يطوف بالبيت، فأخذته رعدة، وهو يظنه كملك من ملوك الأرض، فقال له رسول الله: "هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ". (صححه الأبانى موصولاً و مرسلاً و هو المحفوظ)
- كان زاهدا في الدنيا:
* يضطجع على الحصير، ويرضى باليسير، وسادته من أدم حشوها ليف. (البخارى و غيره)
* يمر الشهر وليس له طعام إلا التمر.. يتلوى من الجوع ما يجد ما يملأ بطنه، فما شبع ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى فارق الدنيا . (البخارى)
- رؤوف بالمؤمنين ، يمازحهم ولا يقول إلا حقاً (الترمذي)
*مازح أنس قائلاً : يا ذا الأذنين ( أبو داود والترمذى و صححه الألبانى).
*استحمله رجلاً ، فقال عليه السلام "إني حاملك على ولد الناقة" فقال يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة ؟ فقال عليه الصلاة و السلام "وهل تلد الإبل إلا النوق "(أبو داود والترمذي و صححه الألبانى)
- يأمر بالصدقة و المعروف و الاصلاح بين الناس...
* إقتتل أهل قباء حتى تراموا بالحجارة فأُخبر عليه الصلاة و السلام فقال : اذهبوا بنا نصلح بينهم (رواه البخارى)
- كان رحيما بأمته، أعطاه الله دعوة مستجابة، فادخرها لأمته يوم القيامة شفاعة، قال:
* ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا ) [البخاري]؛
ولذا قال تعالى عنه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}
- الخلاصة: كان أعظم الناس خلقاً (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
الصادق الأمين، العابد الزاهد، الطيب الجميل،الأب الحنون، الإبن البار، الزوج الرحيم، المعلم الصالح، المربى الرؤوف، الحكم العادل، المجاهد الشجاع،...إمام الدعاة، سيد المرسلين، رسول الله
فمن كان هذا حاله ما كان ليكذب أو يُكذب حتى أن أبا جهل فرعون هذه الأمة اعترف بذلك كما فى الحديث الذى رواه الترمذي عن علي بن أبى طالب أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)
قبل أن نسرد البشارات الحسان العجاب برسول الله على لسان إخوانه أنبياء الله السابقين ننبه العقول و الألباب لأمر فصل يحسم فى مضمونه مراء اهل الكتاب و إنكارهم أن تكون كتبهم تحوى بشارات بمخرج سيد ولد أدم صلى الله عليه و أله و سلم
أولاً:
نصدر مقالنا بنقل كلامٍ موفق سديد من شيخ الإسلام العلامة الفهامة ابن القيم رحمة الله عليه فيقول :
[إنه من الممتنع أن تخلو الكتب المتقدمة عن الإخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق إلى قيام الساعة أمر أعظم منه ولا شأن أكبر منه ، فإنه قلب العالم وطبق مشارق الأرض ومغاربها ، واستمر على العالم على تعاقب القرون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ومثل هذا النبأ العظيم لا بد أن تتطابق الرسل على الإخبار به.
وإذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان وبقاؤه في الأرض أربعين يوماً قد تطابقت الرسل على الإخبار به وأنذر به كل نبي قومه من نوح إلى خاتم الرسل فكيف تتطابق الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها على السكوت عن الإخبار بهذاالأمر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه ولا يطرقه أبداً.
هذا ما لا يسوغه عقل عاقل وتأباه حكمة أحكم الحاكمين ، بل الأمر بضد ذلك ، وما بعث الله سبحانه نبيا إلا أخذ عليه الميثاق بالإيمان بمحمد وتصديقه ، كما قال تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ، قال ابن عباس : ما بعث الله من نبي إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتابعنه.]
و تالله إنه لكلام يساغ بماء الذهب و يلجم الكافر المجادل و يبهته فلا يستطيع أن يرد جواباً إذ إنشغلوا بالنفى النقلى فألزمهم شيخنا بالإثبات العقلى و النقلى
ثانياً :
نذكر الباحث المنصف بحقيقة هامة فى غاية الخطورة و هى أن كتب أهل الكتاب لا تنفى خروج نبى بعد المسيح بالعكس فقد وردت النصوص الإنجيلية لتؤكد إمكانية خروج نبى بعد المسيح عليه السلام و منها
قول المسيح عليه السلام: ((احترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة.16 من ثمارهم تعرفونهم.هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا.17 هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة.واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا رديّة.18 لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا رديّة ولا شجرة رديّة ان تصنع اثمارا جيدة.19 كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار)). (متى 7: 15-19)
و قول صاحب رسالة يوحنا: (( أيها الاحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الارواح هل هي من الله لان انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم.2 بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله)).(رسالة يوحنا الاولى 4: 1-2)
* فبتأمل هذه النصوص نجد الأقوال المنسوبة للمسيح و ليوحنا لا تنفى خروج نبى صادق بل بالعكس تحذر من الأنبيا الكذبة ثم تضع معايير للتمييز بين النبى الصادق و الكاذب ، فلو أن كل نبى ياتى بعد المسيح يكون كذاباً لما قال من ثمارهم تعرفونهم ثم يسهب فى بيان ان النبى الصادق تكون له ثمرة طيبة- و هذا سنتناوله بأذن الله حين نبحث باب الأثر الباهر الذى تركه رسول الله و بناءه للأمة- و لقال المسيح صراحة كل من سياتى بعدى سيكون كاذباً كما قال رسول الله ( و إنه لا نبى بعدى)
*و أيضاً يوحنا يأمر باختبار الأرواح أى الأنبياء لمعرفة الصادق من الكاذب
بل نلاحظ هنا سبحان الله أن يوحنا جعل مقياس النبى الصادق هو الذى يومن بيسوع المسيح ، و نحن معشر المسلمين نؤمن بالفعل ان ابن مريم الناصرى هو المسيح بل و من أولى العزم من الرسل
ملحوظة:و أما قوله أنه قد جاء فى الجسد فهذا تأكيد على بشريته ، فهنا نلاحظ امرين:
أ- أن هذا هو عين ما نؤمن به حين ينفى القرأن الوهية المسيح مركزاً على حقيقتة كبشر له جسد و وظائف جسدية لا تليق بالإله الكامل لكل ذى لب فقال تعالى ((مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ))
و النص فى يوحنا لم يقل أن الله جاء فى الجسد و إنما ان يسوع المسيح قد جاء فى الجسد يعنى تأكيد بشريته و هذا ما يؤكده العودة لمعنى عبارة جاء فى الجسد حسب قواميس الكتاب المقدس أيضاً
يقل الدكتور شريف حمدى:
أولا كلمة " جاء come "
يقول قاموس strong التابع لبرنامج e-sword
G2064
ἔρχομαι
erchomai
er'-khom-ahee
Middle voice of a primary verb (used only in the present and imperfect tenses, the others being supplied by a kindred [middle voice] word, ἐλεύθομαι eleuthomai or ἔλθω elthō; which do not otherwise occur); to come or go (in a great variety of applications, literally and figuratively): - accompany, appear, bring, come enter, fall out, go, grow, X light, X next, pass, resort, be set.
الكلمة تحتمل معنى جاء ومعاني أخرى ويتضح المعنى من السياق لا من العقائد الملفقة..
و عبارة "جاء فى الجسد"
G4561
σάρξ
sarx
sarx
Probably from the base of G4563; flesh (as stripped of the skin), that is, (strictly) the meat of an animal (as food), or (by extension) the body (as opposed to the soul (or spirit), or as the symbol of what is external, or as the means of kindred, or (by implication) human nature (with its frailties (physically or morally) and passions), or (specifically) a human being (as such): - carnal (-ly, + -ly minded), flesh ([-ly]).
الله أكبر.... معناها human being........إنسان
و هذا معناه أن الترجمة الصحيحة...
و يظهر ذلك جلياً فى بعض ترجمات الكتاب المقدس كترجمة cev و التى فيها:
1Jo 4:2 and you can know which ones come from God. His Spirit says that Jesus Christ had a truly human body
ب- المفجأة الكبرى أن جملة (المسيح انه جاء فى الجسد) غير اصليه ومضافه لانها غير موجوده فى المخطوطات السينائيه والفاتيكانيه والسكندريه وغيرها ، اضافة الى السريانيه والقبطيه والعربيه والارمينيه والحبشيه و الفولجات
ومن كتابات الاباء ، اوريجين وايرينايوس وكيريل وغيرهم
وحذفها العلماء جرايسباخ وويستكوت وهورت ونيستل والاند وتشايندروف وتريجلز من النص نهائيا
فتصبح الجمله (وكل روح لا يعترف بيسوع فليس من الله )
الله أكبر أليس المسلمون أولى الناس بعيسى تقديراً و حباً و إيماناً به؟!
زد على ذلك أن النصارى أنفسهم يؤمنون برسالة بولس و أنه رسول بعث و أوحى اليه بعد المسيح، فمجادلتهم بخصوص الرسالة بعد المسيح ‘نما هى طعن فى أصول و تضييع لكتابهم و إنكار لكتبة أناجيلهم قاطبة!
ليس هذا فحسب و من شاء فليقرأ:
- فى يوم الخمسين تنبأ 120 شخص بحلول الروح القدي عليهم (أعمال 1: 15، 2: 17، أفسس2: 20)
- النبيات الأربع بنات فيلبس (أعمال 21: 9)
- الأنبيا يهوذا و سيلا و أجابوس (أعمال 15: 32)
- الأنبياء المتواجدون فى أنطاكيا (أعمال 11: 27/ 13: 1/21: 10)
ثالثاً:
اعلم و تنبه أرشدك الله أن النبى صلى الله عليه و أله و سلم جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته ، وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به.
قال ابن القيم: [إنه صلى الله عليه و سلم أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه ، فلو كان هذا باطلا لا صحة له ، لكان ذلك تسليطاً للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطاً لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطاً لأتباعه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه ، وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه ، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون، فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من ير جهة إخباره ، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟]
رابعاً :
اعلم أن المؤمنين به من الأحبار والرهبان من لدن رسول الله إلى يومنا هذا الذي آثروا الحق على البالط صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال.. و ذكر ذلك الامر القرأن العظيم ليكون حجة على أهل الكتاب ، وقد شهد للنبى صلى الله عليه و سلم عدولهم و سادتهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك ،
قال تعالى(( ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)) .
وقال تعالى ((قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) .
وقال تعالى (( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب)) .
وقال تعالى : ((ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين)) .
وقال تعالى : ((الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون)) .
و قال تعالى (( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا . ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا))
و لنذكر نماذج مما وقع من ذلك فى حياة رسول الله منها:
1) جهر اليهود بخروج نجم النبى صلى الله عليه و سلم يوم ولد، و هذا سبق بيانه فى البحث المنصرم
2) تفرس بحيرا الراهب به و اخباره انه سيد العالمين ، و هذا أيضاً سبق ذكره
3) إعتراف هرقل برسول الله كما فى حديث أبى سفيان فى البخارى : ((إن يكن ما تقول حقاً إنه لنبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي))
4) مجىء سلمان الفارسىإالى جزيرو العرب بعد أن بحث عن الحق و علم من احبار النصارى فى بلاده أن نبى اخر الزمان يخرج فى ارض العرب و علم صفته و مخرجه و ضحى بوطنه و ماله بل و سقط فى الرق فى سبيل شهادة النبى إلى ان اعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم بمباركة غريبة فى مال أعطاه اياه
و الخبر بسياقه المطول رواه أحمد في المسند (5/441) وقال المحققون : إسناده حسن
5) إيمان النجاشى ملك الحبشة بالنبى و إسلامه لله و حمايته للمؤمنين المهاجرين لما علم من خبر النبى عليه الصلاة و السلام
كتاب السيرة النبوية، الجزء 2، صفحة 185 و صحيح البخاري -كتاب المناقب – باب موت النجاشي
و كذا إسلام وفد القساوسة الذين أرسلهم إلى رسول الله و نزلت بشأنهم أيات تخلد إيمانهم فى سورة المائدة
6) إسلام عدى ابن حاتم الطائى الشهير و هذا أورده الإمام أحمد و الترمذي و الحاكم وغيرهم. حين أُتى بها إلى النبى وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما يفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله سوى الله قال: قلت لا ، ثم تكلم ساعة، ثم قال: ما يفرك أن يقال الله تعالى أكبر وتعلم أن شيئاً أكبر من الله ؟ قال: قلت لا..
7) إيمان عبدالله بن سلام ، إذ روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك
{ قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فقالوا : جاء نبي الله ن فاستشرقوا ينظرون ، إذ سمع به عبد اله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم فيها فجاء وهي معه، فسمع من نبي الل صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله ، فلما خلي نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام ، فقال أشهد أنك نبي الله حقاً وأنك جئت بالحق ، ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في.
فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه ، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم ! اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً ، وأني جئتكم بحق ، أسلموا ، قالوا : ما نعلمه ، فأعادها عليهم ثلاثاً وهم يجيبونه كذلك ، قال : أي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال : أفرأيتم إن أسلم؟ ، قالوا حاش لله ما كان ليسلم ، فقال : يا ابن سلام أخرج عليهم قال : فخرج عليهم فقال : يا معشر اليهود ويلكم ، اتقوا الله ! فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً ، وأنه جاء بالحق ، فقالوا كذبت ، فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا : شرنا وابن شرنا . وانتقصوه ، قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله}
وروى أحمد والبخاري عن عطاء بن يسار قال :
{لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا }.
8) خبر السيدة صفية /ذكر ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر ، قال : حدثت عن صفية بن حيي انها قالت : كنت احب ولد ابي اليه والى عمي ابي ياسر فما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة غدوا عليه ثم جاءا من العشى ، فسمعت عمي يقول لابي اهو هو قال : نعم والله ، قال اتعرفه وتثبته ، قال نعم، قال : فما في نفسك منه ، قال عدواته والله ما بقيت.
فأهل الكتاب فى المدينة قاطبة كانو ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانو يقولون (( اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس) أورده الحاكم و ابن اسحق و غيرهما
و لكنهم جحدوه حسداً و تكبراً على اصطفاء الله و مشيئته و هذا مصداق قوله تعالى:
((وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ))
((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون))
لمتابعة المقال اضغط: هنا
و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و قائدنا إلى الجنة باذن الرحمن محمد ، خير من وطأ أرض الله أطيب الطيبين الصادق الأمين المبعوق رحمة للعالمين
أما بعد:-
فهذا بحث فى دلائل النبوة على الأسس التى اتفق عليها أهل العقل و علماء النقل نتناوله بإختصار و اقتضاب بلا استرسال ولا اسهاب ليكون مرجعاً سهلاً يسيراً لكل باحث عن الحق او سائل عن نبوة سيد الخلق~
و سنتناول فيه بإذن الله تعالى خمسة مباحث كل منهم يحوى حجة فى اثبات النبوة و هى:
(1) سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل البعثة و صفاته الخلقية والخلقية
(2) معجزاته الباهرة المادية و الخبرية و معجزته الكبرى كتاب الله الحكيم
(3) البشارات الحسان برسول الله صلى الله عليه و سلم فى كتب اليهود و النصارى و غيرهم
(4) طبيعة الرسالة التى بعثه الله تعالى بها من عقائد و أحكام و اخلاق
(5) الأثر الذى تركه رسول الله صلى الله عليه و سلم
و دورى فى هذا البحث تجميع ما قرأت فى كتب العلما و أصحاب السير و سأعقب فى ختامه بسرد المراجع بإذن الله تبارك و تعالى
سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل البعثة و صفاته الخلقية والخلقية
تقدمـــــــة هامة
لعل من أبرز الفوائد الماتعة التى نعرج عليها أثناء دراسة سيرة النبى صلى الله عليه و سلم أنها أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل، أو عظيم مصلح, فقد وصلت إلينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصح الطرق العلمية وأقواها ثبوتا مما لا يترك مجالاً للشك في وقائعها البارزة وأحداثها الكبرى
إن الميزة من صحة السيرة صحة لا يتطرق إليها شك لا توجد في سيرة رسول من رسل الله السابقين، فموسى عليه السلام قد اختلطت عندنا وقائع سيرته الصحيحة بما أدخل عليها اليهود من زيف وتحريف، ولا نستطيع أن نركن إلى التوراة الحاضرة لنستخرج منها سيرة صادقة لموسى عليه السلام، فقد أخذ كثير من النقاد الغربيين يشكون في بعض أسفارها وبعضهم يجزم بأن بعض أسفارها لم يكتب في حياة موسى عليه السلام ولا بعده بزمن قريب، وإنما كتب بعد زمن بعيد من غير أن يعرف كاتبها، وهذا وحده كاف للتشكيك في صحة سيرة موسى عليه السلام كما وردت في التوراة
ولذلك ليس أمام المسلم أن يؤمن بشيء من صحة سيرته إلا ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
ومثل ذلك يقال في سيرة عيسى عليه السلام، فهذه الأناجيل المعترف بها رسميا لدى الكنائس المسيحية إنما أقرت في عهد متأخر عن السيد المسيح بمئات السنين، وقد اختيرت – بدون مسوغ علمي – من بين مئات الأناجيل التي كانت منتشرة في أيدي المسيحيين يومئذ. ثم إن نسبة هذه الأناجيل لكاتبيها لم يثبت عن طريق علمي تطمئن النفس إليه، فهي لم ترو بسند متصل إلى كاتبيها، على أن الخلاف قد وقع أيضا بين النقاد الغربيين في أسماء بعض هؤلاء الكاتبين من يكونون؟ وفي أي عصر كانوا؟
وإذا كان هذا شأن سير الرسل أصحاب الديانات المنتشرة في العالم، كان الشك أقوى في سيرة أصحاب الديانات والفلاسفة الآخرين الذين يعد أتباعهم بمئات الملايين في العالم، كبوذا وكونفوشيوس، فإن الروايات التي يتناقلها أتباعهم عن سيرتهم ليس لها أصل معتبر في نظر البحث العلمي، وإنما يتلقفها الكهان فيما بينهم، ويزيد فيها كل جيل عن سابقه بما هو من قبيل الأساطير والخرافات التي لا يصدقها العقل النير المتحرر الخالي من التعصب لتلك الديانات.
وهكذا نجد أن أصح سيرة وأقواها ثبوتا متواترا هي سيرة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فإن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة كل الوضوح في جميع مراحلها، منذ زواج أبيه عبد الله بأمه آمنة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فنحن نعرف الشيء الكثير عن ولادته، وطفولته وشبابه، ومكسبه قبل النبوة، ورحلاته خارج مكة، إلى أن بعثه الله رسولا كريما، ثم نعرف بشكل أدق وأوضح وأكمل كل أحواله سنة فسنة، ما يجعل سيرته عليه الصلاة والسلام واضحة وضوح الشمس، كما قال بعض النقاد الغربيين: إن محمدًا (عليه الصلاة والسلام) هو الوحيد الذي ولد على ضوء الشمس.
وهذا ما لم يتيسر مثله ولا قريب منه لرسول من رسل الله السابقين، فموسى عليه السلام لا نعرف شيئا قط عن طفولته وشبابه وطرق معيشته قبل النبوة، ونعرف الشيء القليل عن حياته بعد النبوة، مما لا يعطينا صورة مكتملة لشخصيته، ومثل ذلك يقال في عيسى عليه السلام، فنحن لا نعرف شيئا عن طفولته إلا ما تذكره الأناجيل الحاضرة، من أنه دخل هيكل اليهود، وناقش أحبارهم، فهذه هي الحادثة الوحيدة التي يذكرونها عن طفولته، ثم نحن لا نعلم من أحواله بعد النبوة إلا ما يتصل بدعوته، وقليلا من أسلوب معيشته، وما عدا ذلك فأمر يغطيه الضباب الكثير.
فأين هذا مما تذكره مصادر السيرة الصحيحة من أدق التفاصيل في حياة رسولنا الشخصية، كأكله، وقيامه، وقعوده، ولباسه، وشكله، وهيئته، ومنطقه، ومعاملته لأسرته، وتعبده، وصلاته، ومعاشرته لأصحابه، بل بلغت الدقة في رواة سيرته أن يذكروا لنا عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته صلى الله عليه وسلم
و بذلك كانت سيرة محمد صلى الله عليه و سلم و حياته ودعوته دليلاً عظيما لا نقول على نبوته فحسب بل على صحة وجود ونبوة موسى و عيسى و إبراهيم و الأنبياء أجمعين.
نظرات فى ارهاصات و مؤيدات نبوته صلى الله عليه و سلم
شرف نسب رسول الله صلى الله عليه و سلم
- فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش أشرف قبيلة في العرب، وأزكاها نسبا وأعلاها مكانة، وقد روي عن العباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا» (رواه الترمذي بسند صحيح).
و قال عليه السلام : ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)) (رواه مسلم)
و قال صلى الله عليه و سلم: ((خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء)) حسنه الألباني فى صحيح الجامع 3225
قال ابن إسحاق : {وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظا على العهود . متخلقا بمكارم الأخلاق . يحب المساكين ويقوم في خدمة الحجيج ويطعم في الأزمات . ويقمع الظالمين . وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رءوس الجبال}
وقد أعطاه الله مزية عظيمة ألا و هى أنه أُمرفى المنام أن يحفر زمزم و وصف له موضعها فكان له شرف اعادة جريان ماء تلك البئر الشريفة و الحديث عن أمير المؤمنين على ابن أبى طالب قال :
(( بينا عبد المطلب نائم في الحجر أُتي فقيل له : احفر برة ، فقال : وما برة ؟ ثم ذهب عنه ، حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك فأُتي فقيل له : احفر المصونة ، قال : وما المصونة ؟ ثم ذهب عنه ، حتى إذا كان الغد فنام في مضجعه ذلك فأُتي فقيل له : احفر طيبة ، فقال : وما طيبة ؟ ثم ذهب عنه ، فلما كان الغد عاد لمضجعه فنام فيه فأُتي فقيل له : احفر زمزم ، فقال : وما زمزم ؟ فقال : لا تنزف ، ولا أبينا . ثم نعت له موضعها فقام يحفر حيث نعت . فقالت له قريش : ما هذا يا عبد المطلب ؟ فقال : أمرت بحفر زمزم ، فلما كشف عنه وبصروا بالطي قالوا : يا عبد المطلب إن لنا حقا فيها معك ، إنها لبئر أبينا إسماعيل . فقال : ما هي لكم ، لقد خصصت بها دونكم . قالوا : أتحاكمنا ؟ قال : نعم . قالوا : بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم ، وكانت بأطراف الشام ، فركب عبد المطلب في نفر من بني أمية ، وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر ، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الحجاز والشام ، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا بالهلكة ، ثم استقوا القوم فقالوا : ما نستطيع أن نسقيكم ، وإنا نخاف مثل الذي أصابكم . فقال عبد المطلب لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك . قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته ، فكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه ، فضيعة رجل أهون من ضيعة جميعكم ، ففعلوا ثم قال : والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت ولا نضرب في الأرض ونبتغي ، لعل الله أن يسقينا لعجز . فقال لأصحابه : ارتحلوا . فارتحلوا وارتحل . فلما جلس على ناقته ، فانبعثت به . انفجرت عين تحت خفها بماء عذب . فأناخ وأناخ أصحابه ، فشربوا واستقوا وأسقوا ، ثم دعوا أصحابهم : هلموا إلى الماء فقد سقانا الله ، فجاؤوا واستقوا وأسقوا ثم قالوا : يا عبد المطلب ! قد والله قضي لك . إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة ، لهو الذي سقاك زمزم ، انطلق فهي لك ، فما نحن بمخاصميك))
رواه عبدالله بن زرير الغافقي و صححه الالبانى
ثم أن عبدالمطلب نذر لان رزقه الله بعشرة ابناء يمنعوه لينحرن أحدهم : فلما كبرو أبناءه العشر فاقرع بين ابناءه فكان عبدالله/ فأشفق أبوه عليه و كان يحبه فذهب لعرافة فقالت ان يضرب القداح بين ابنه و عشرة من الابل فخرجت عليه فظل يزيد عشرا عشرا حتى بلغت المئة
و لذلك روى عن النبى كما فى سيرة ابن هشام و فى تاريخ الطبرى أنه قال ((أنا ابن الذبيحين))
و روى الحاكم و ابن جرير و غيرهما عن عبد الله بن سعيد الصنابحى قال: ((حضرنا مجلس معاوية فتذاكر القوم إسماعيل و إسحاق أيهما الذبيح؟ فقال البعض إسماعيل و قال البعض إسحاق فقال معاوية: على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله(صلى الله عليه و سلم) فأتى أعرابى فقال : يل رسول الله خلفت الكلأ يابسا و المال عابسا ,هلك العيال و ضاع المال فعد على مما أفاء الله عليك يا إبن الذبيحين فتبسم رسول الله(صلى الله عليه و سلم) و لم ينكر عليه فقال القوم من الذبيحين يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر ماء زمزم نذر لله لإن سهل أمرها أن ينحر بعض ولده فلما فرغ أسهم بينهم و كانو عشرة فخرج السهم على عبد الله فأراد أن ينحره فمنعه أخواله بنو خزوم و قالو أرض ربك و افد ابنك ففداه بمائة ناقة ,قال معاوية: هذا واحد و الأخر إسماعيل))
ولمكانة هذا النسب الكريم في قريش لم نجدها فيما طعنت به على النبي صلى الله عليه وسلم لاتضاح نسبه بينهم، ولقد طعنت فيه بأشياء كثيرة مفتراة إلا هذا الأمر لأن النبى كان منهم و معروف نسبه و حاله عندهم قبل بعثته لذا كان الله يرشد عقولهم إلى صدق رسوله بتذكريهم أنه صاحبهم الذى عرفو نسبه و صدقه و امانته و رجاحة عقله فقال تعالى
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}
و قال عز و جل {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ}
و قال سبحانه {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}
و تواترت الايات فى بيان ان النبى من انفسكم ايها العرب و من قلب اشرافكم كما دعى ابراهيم بذلك قائلاً { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم }
و قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم }
وقال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي منكم و بلغتكم
لذا قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي و المغيرة بن شعبة لرسول كسرى: ((إن الله بعث فينا رسولاً منا نعرف نسبه و صفته و مدخله و مخرجه و صدقه و أمانته)) رواه أحمد
و هذا له حكمة لطيفة إذ كلما كان الداعية إلى الله في شرف من قومه، كان ذلك أدعى إلى استماع الناس له، فإن من عادتهم أن يزدروا بالدعاة إذا كانوا من بيئة مغمورة، أو نسب وضيع، فإذا جاءهم من لا ينكرون شرف نسبه، ولا مكانة أسرته الاجتماعية بينهم، لم يجدوا ما يقولونه عنه إلا افتراءات يتحللون بها من الاستماع إلى دعوته، والإصغاء إلى كلامه
ملحوظة: و هذه الحقائق الساطعة عقلاً و نقلاً تدفعنا للتعجب مما نجده فى هذه الأيام المتأخرة من افلاس فكرى يتجلى فى طعونات خائبة حمل لواء افكها أنصاف الأميين من حاقدى الصليبيين الذين بلغ بهم الجهل مرحلة العضال صعب البراء فيستشهدون بروايات واهية و هم لا يفقهون فيضربون بعضها ببعض ظناً منهم أنها تؤدى الى الطعن فى نسب سيد الخلق ، و كأن بنى هاشم و قريشاً و مضر النسابة نسوا او غفلوا عما يطعن به هؤلاء القوم الذين يتباهون بعبادة اله بشرى هو ابن زنا فى اربع طبقات ولا حول ولا قوة الا بالله)
أية حادثة الفيــــــــــــــل
و هى أية عظيمة و إرهاص باهر خادته أيات القرأن الخكيم فى سورة تحمل اسم الفيل
فقال تعالى ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)))
قال ابن كثير:
[هَذِهِ مِنْ النِّعَم الَّتِي اِمْتَنَّ اللَّه بِهَا عَلَى قُرَيْش فِيمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ أَصْحَاب الْفِيل الَّذِينَ كَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى هَدْم الْكَعْبَة وَمَحْو أَثَرهَا مِنْ الْوُجُود فَأَبَادَهُمْ اللَّه وَأَرْغَمَ آنَافهمْ وَخَيَّبَ سَعْيهمْ وَأَضَلَّ عَمَلهمْ وَرَدَّهُمْ بِشَرِّ خَيْبَة وَكَانُوا قَوْمًا نَصَارَى وَكَانَ دِينهمْ إِذْ ذَاكَ أَقْرَب حَالًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ قُرَيْش مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان وَلَكِنْ كَانَ هَذَا مِنْ بَاب الْإِرْهَاص وَالتَّوْطِئَة لِمَبْعَثِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْعَام وُلِدَ عَلَى أَشْهَر الْأَقْوَال , وَلِسَان حَال الْقُدْرَة يَقُول : لَمْ نَنْصُرْكُمْ يَا مَعْشَر قُرَيْش عَلَى الْحَبَشَة لِخَيْرِيَّتِكُمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ صِيَانَة لِلْبَيْتِ الْعَتِيق الَّذِي سَنُشَرِّفُهُ وَنُعَظِّمهُ وَنُوَقِّرهُ بِبَعْثَةِ النَّبِيّ الْأُمِّيّ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَم الْأَنْبِيَاء
وَأَرْسَلَ أَبَرْهَة يَقُول لِلنَّجَاشِيِّ إِنِّي سَأَبْنِي كَنِيسَة بِأَرْضِ الْيَمَن لَمْ يُبْنَ قَبْلهَا مِثْلهَا فَشَرَعَ فِي بِنَاء كَنِيسَة هَائِلَة بِصَنْعَاء رَفِيعَة الْبِنَاء عَالِيَة الْفِنَاء مُزَخْرَفَة الْأَرْجَاء سَمَّتْهَا الْعَرَب الْقُلَّيْس لِارْتِفَاعِهَا لِأَنَّ النَّاظِر إِلَيْهَا تَكَاد تَسْقُط قَلَنْسُوَته عَنْ رَأْسه مِنْ اِرْتِفَاع بِنَائِهَا وَعَزَمَ أَبَرْهَة الْأَشْرَم عَلَى أَنْ يَصْرِف حَجّ الْعَرَب إِلَيْهَا كَمَا يُحَجّ إِلَى الْكَعْبَة بِمَكَّة وَنَادَى بِذَلِكَ فِي مَمْلَكَته فَكَرِهَتْ الْعَرَب الْعَدْنَانِيَّة وَالْقَحْطَانِيَّة ذَلِكَ وَغَضِبَتْ قُرَيْش لِذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى قَصَدَهَا بَعْضهمْ وَتَوَصَّلَ إِلَى أَنْ دَخَلَهَا لَيْلًا فَأَحْدَثَ فِيهَا وَكَرَّ رَاجِعًا فَلَمَّا رَأَى السَّدَنَة ذَلِكَ الْحَدَث رَفَعُوا أَمْره إِلَى مَلِكهمْ أَبَرْهَة وَقَالُوا لَهُ إِنَّمَا صَنَعَ هَذَا بَعْض قُرَيْش غَضَبًا لِبَيْتِهِمْ الَّذِي ضَاهَيْت هَذَا بِهِ فَأَقْسَمَ أَبَرْهَة لَيَسِيرَنَّ إِلَى بَيْت مَكَّة وَلَيُخَرِّبَنَّهُ حَجَرًا حَجَرًا .
وَكَانَ عَبْد الْمُطَّلِب رَجُلًا جَسِيمًا حَسَن الْمَنْظَر . وَنَزَلَ أَبَرْهَة عَنْ سَرِيره وَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى الْبِسَاط وَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ مَا حَاجَتك ؟ فَقَالَ لِلتُّرْجُمَانِ إِنَّ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيَّ الْمَلِك مِائَتَيْ بَعِير أَصَابَهَا لِي فَقَالَ أَبَرْهَة لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْت أَعْجَبْتنِي حِين رَأَيْتُك ثُمَّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلَّمْتنِي أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِير أَصَبْتهَا لَك وَتَتْرُك بَيْتًا هُوَ دِينك وَدِين آبَائِك قَدْ جِئْت لِهَدْمِهِ لَا تُكَلِّمنِي فِيهِ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمُطَّلِب إِنِّي أَنَا رَبّ الْإِبِل وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ . قَالَ مَا كَانَ لِيَمْتَنِع مِنِّي قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ وَيُقَال إِنَّهُ ذَهَبَ مَعَ عَبْد الْمُطَّلِب جَمَاعَة مِنْ أَشْرَاف الْعَرَب فَعَرَضُوا عَلَى أَبَرْهَة ثُلُث أَمْوَال تِهَامَة عَلَى أَنْ يَرْجِع عَنْ الْبَيْت فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَرَدَّ أَبَرْهَة عَلَى عَبْد الْمُطَّلِب إِبِله وَرَجَعَ عَبْد الْمُطَلِّب إِلَى قُرَيْش فَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّة وَالتَّحَصُّن فِي رُءُوس الْجِبَال تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّة الْجَيْش ثُمَّ قَامَ عَبْد الْمُطَّلِب فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة وَقَامَ مَعَهُ نَفَر مِنْ قُرَيْش يَدْعُونَ اللَّه وَيَسْتَنْصِرُونَ عَلَى أَبَرْهَة وَجُنْده فَقَالَ عَبْد الْمُطَّلِب وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة : لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْء يَمْ نَع رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالك لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ أَبَدًا مِحَالَك]
الإرهاصات بعظمة شأنه من شهادات معاصريه
1)) وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له : ((يا رسول الله أخبرنا عن نفسك . قال : نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام)) (صحيح السيرة النبوية للألبانى- و كذلك فى السلسلة الصحيحة 1545 )
2)) وروى محمد بن إسحاق عن حسان بن ثابت قال :
((والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة ب ( يثرب ) : يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك مالك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به))
.
وروى أبو نعيم ومحمد بن حيان عن أسامة بن زيد قال : قال زيد بن عمرو بن نفيل :
((قال لي حبر من أحبار الشام : قد خرج في بلدك نبي أو هو خارج قد خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه)) (صحيح السيرة للالبانى)
3)) كانت تعرف في رسول الله النجابة من صغره، وتلوح على محياه مخايل الذكاء الذي يحببه إلى كل من رآه، فكان إذا أتى الرسول وهو غلام جلس على فراش جده، وكان إذا جلس عليه لا يجلس معه على الفراش أحد من أولاده (أعمام الرسول)، فيحاول أعمامه انتزاعه عن الفراش، فيقول لهم عبد المطلب: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنًا.( سيرة ابن هشام 1/168
4))حادثة الراهب بحيرا:و فيها خرج أبو طالب إلى الشام ومعه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب ـ يعني بحيرا ـ هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فنزل وهو يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء وأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هذا سيد العالمين ـ زاد البيهقي : ورسول رب العالمين ابتعثه الله رحمة للعالمين ـ فقال له أشياخ قريش : وما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من الثنية لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه ،
و فى رواية أبى موسى الأشعرى أن بحيرا قد تفرس فيه عليه السلام ورأى معالم النبوة في وجهه وبين كتفيه ، فلما سأل أبا طالب : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني ، قال : ما ينبغي أن يكون أبوه حيا ! قال : فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلى به . قال صدقت ، ارجع به إلى بلدك واحذر عليه يهود (سيرة ابن هشام- البداية و النهاية لابن كثير)
عصمته من أمور الجاهلية صلى الله عليه و سلم
لم يشارك عليه الصلاة والسلام أقرانه من شباب مكة في لهوهم ولا عبثهم، وقد عصمه الله من ذلك، ولم يشارك قومه في عبادة الأوثان، ولا أكل شيئا مما ذبح لها، ولم يشرب خمرا، ولا لعب قمارا، ولا عرف عنه فحش في القول، أو [قبحٌ] في الكلام.
عن أنس بن مالك؛ ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان. فأخذه فصرعه فشق عن قلبه. فاستخرج القلب. فاستخرج منه علقة. فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم. ثم لأمه. ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره) فقالوا:إن محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)).
(رواه مســـــــــــلم)
{عن جابر بن عبد الله يقول لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة فقال عباس اجعل إزارك على رقبتك من الحجارة ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال إزاري إزاري فشد عليه إزار}
مسند أحمد و كذا رواه الشيخان
فهذا الحديث أيضاً يشهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن ربه تعالى عصمه من عادات الجاهلية السيئة
و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله عز وجل فيهما قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاء غنم أهلها فقلت لصاحبي أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان فقال بلى قال فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير فقلت ما هذا قالوا تزوج فلان فلانة فجلست أنظر وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت ما فعلت شيئا ثم أخبرته بالذي رأيت ثم قلت له ليلة أخرى أبصر لي غنمي حتى أسمر ففعل فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فسألت فقيل نكح فلان فلانة فجلست أنظر وضرب الله أذني فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت لا شيء ثم أخبرته الخبر فوالله ما هممت ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته ))
رواه الطبرى و غيره و صححه الحاكم و تبعه الذهبى 287 ، و حسنه الألبانى فى المطالب العلية لابن حجر العسقلانى 4/361
وكان عليه السلام يعتزل قومه وماهم عليه من الوثنية أذ حبب الله إليه عليه الصلاة والسلام قبل البعثة بسنوات أن يخرج إلى غار حراء - يخلو فيه لنفسه ليفكر في آلاء الله، وعظيم قدرته، واستمر على ذلك حتى جاءه الوحي، ونزل عليه القرآن الكريم.
و هذا يعلمنا مدى قيمة عبادة التفكر و التدبر فى أيات الله و دلائل عظمته و وحدانيته فيجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفينة والفينة أوقات يخلو فيها بنفسه، تتصل فيها روحه بالله جل شأنه، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة، والحياة المضطربة من حوله، ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه إن قصرت في خير، أو زلت في اتجاه، أو جانبت سبيل الحكمة، أو أخطأت في سبيل ومنهج أو طريق، أو انغمست مع الناس في الجدال والنقاش حتى أنسته ذكر الله والأنس به وتذكر الآخرة، وجنتها ونارها، والموت وغصصه وآلامه، ولذلك كان التهجد وقيام الليل فرضا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، مستحبا في حق غيره، وأحق الناس بالحرص على هذه النافلة هم الدعاة إلى الله وشريعته وجنته، وللخلوة والتهجد والقيام لله بالعبودية في أعقاب الليل لذة لا يدركها إلا من أكرمه الله بها، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول في أعقاب تهجده وعبادته: نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها.
وحسبنا قول الله تبارك وتعالى مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}
سماته الخلقية و الخلقية و الظروف التى نشأ فيها
1- أنه نشأ يتيما، فقد مات أبوه عبد الله وأمه حامل به لشهرين فحسب، ولما أصبح له من العمر ست سنوات ماتت أمه آمنة فذاق صلى الله عليه وسلم في صغره مرارة الحرمان من عطف الأبوين وحنانهما، وقد كفله بعد ذلك جده عبد المطلب، ثم توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنوات، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب حتى نشأ واشتد ساعده، وإلى يتمه أشار القرآن الكريم بقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6].
و كان فى تحمله عليه السلام آلام اليتم أو العيش، وهو في صغره ما جعله أكثر إحساسا بالمعاني الإنسانية النبيلة، وامتلاءً بالعواطف الرحيمة نحو اليتامى أو الفقراء أو المعذبين، وأكثر عملا لإنصاف هذه الفئات والبر بها والرحمة لها.
2- نشأته صلى الله عليه و سلم فى بيئة صحراوية فطرية إذ أمضى السنوات الأربع الأولى من طفولته في الصحراء في بني سعد، فنشأ قوي البنية، سليم الجسم، فصيح اللسان، جريء الجنان، يحسن ركوب الخيل على صغر سنه قد تفتحت مواهبه على صفاء الصحراء وهدوئها، وإشراق شمسها ونقاوة هوائها.
فكان ذلك أدعى إلى صفاء ذهنه، وقوة عقله وجسمه ونفسه، وسلامة منطقه وتفكيره، ولذلك لم يختر الله العرب لأداء رسالة صدفة ولا عبثا، بل لأنهم كانوا بالنسبة إلى من يجاورهم من الأمم المتمدنة أصفى نفوسا، وأسلم تفكيرا، وأقوم أخلاقا، وأكثر احتمالا لمكاره الحروب في سبيل دعوة الله ونشر رسالته في أنحاء العالم
«ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم» فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فأجاب: «وأنا رعيتها لأهل مكة على قراريط» رواه البخارى
3-وعرف عنه منذ إدراكه رجحان العقل، وأصالة الرأي، وكذلك عرف عليه الصلاة والسلام بين قومه بالصادق الأمين، واشتهر بينهم بحسن المعاملة، والوفاء بالوعد، واستقامة السيرة، وحسن السمعة،
لذلك كان أول الناس تلبية لحلف الفضول و هو الحلف الذى اجتمعت فيه قبائل قريش بعد فاجعة حرب الفجار التى انتهكت فيها حرمة الشهر الحرام، فاجتمعوا فى دار عبدالله بن جدعان لسنه و شرفه، فتعاهدوا على ألا يجدوا فى مكة مظلوا من أهلها أو غيرهم إلا نصروه حتى ترد عليه مظلمته ، بل و ظل عليه السلام مادحاً شاكراً لهذا الحلف الذى قام على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وإن كان فى الجاهليه فقال عليه السلام (( لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت))
*و لذلك كان نعم الحكم المستأمن في حادثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة عندما أصاب الكعبة سيل أدى إلى تصدع جدرانها، فقرر أهل مكة هدمها وتجديد بنائها، وفعلوا، فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود فيها اختلفوا اختلافا شديدا فيمن يكون له شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، وأرادت كل قبيلة أن يكون لها هذا الشرف، واشتد النزاع حتى تواعدوا للقتال، ثم ارتضوا أن يحكم بينهم أول داخل من باب بني شيبة، فكان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا بحكمه، فلما أخبر بذلك، حل المشكلة بما رضي عنه جميع المتنازعين، فقد بسط رداءه ثم أخذ الحجر فوضعه فيه، ثم أمرهم أن تأخذ كل قبيلة بطرف من الرداء، فلما رفعوه وبلغ الحجر موضعه، أخذه ووضعه بيده، فرضوا جميعا، وصان الله بوفور عقله وحكمته دماء العرب من أن تسفك إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
( مسند الامام أحمد ، و رواه أبوداود الطيالسى عن على رضى الله عنه، و أروده الالبانى فى صحيح السيرة النبوية)
*و لذلك أيضاً رغبت خديجة رضى الله عنها في أن تعرض عليه الاتجار بمالها في القافلة التي تذهب إلى مدينة (بصرى) كل عام على أن تعطيه ضعف ما تعطي رجلا من قومها، فلما عاد إلى مكة وأخبرها غلامها ميسرة بما كان من أمانته وإخلاصه، ورأت الربح الكثير في تلك الرحلة، أضعفت له من الأجر ضعف ما كانت أسمت له، ثم حملها ذلك على أن ترغب في الزواج منه، فقبل أن يتزوجها وهو أصغر منها بخمسة عشر عاما،
*و لذا كان أفضل شهادة له بحسن خلقه قبل النبوة قول خديجة له بعد أن جاءه الوحي في غار حراء وعاد مرتعدا:
((كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل (الضعيف)، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)).(رواه البخارى)
حديــــــــث أبى سفيــــــــان
يجمع كل ما أسلفناه من شرف رسول الله و حنيفيته و أمانته و صدقه و رجاحة عقله و كرم دعوته حديث أبى سفيان رضى الله عنه مع هرقل عظيم الروم
{حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن أبا سفيان بن حرب أخبره:
أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشأم ، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها ابا سفيان وكفار قريش ، فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه ،
فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟
فقال أبو سفيان : فقلت أنا أقربهم نسبا ،
فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم إني سائل عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه .
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟
قلت : هو فينا ذو نسب .
قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟
قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا .
قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟
فقلت : بل ضعفاؤهم . قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون .
قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
قلت : لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قلت : لا .
قال : فهل يغدر ؟
قلت : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها "ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة" . (هنا يشهد ايو سفيان الصحابى الجليل أنه ما وجد جواباً واحداً يمكنه ان يدخل فيه شبهة حول رسول الله الا هذه الكلمة التى قالها فما أعظمه من نبى)
قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم .
قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟
قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ، ينال منا وننال منه .
قال : ماذا يأمركم ؟
قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
فقال للترجمان : قل له : سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول ، فذكرت أن لا ، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله ، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله .
وسألتك هل كان من آبائه من ملك ، فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت رجل يطلب ملك أبيه .
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله .
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ،
وسألتك أيزيدون أم ينقصون ، فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك هل يغدر ، فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .
وسألتك بما يأمركم ، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ،
فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه ، لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه .
ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، فقرأه ، فإذا فيه : [بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، و : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون }]
قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب ، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا ، فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر
رواه البخارى - كتاب بدء الوحي. - باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمحمد صلى الله عليه و سلم هو أعظم رجل في التاريخ بشهادة خصومه قبل أتباعه كما سيرد إن شاء الله
و قد أخرج البخاري في التاريخ الصغير عن أبي طالب:
وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد
وقد كان اسمه أحمد كما جاءت تسميته في الكتب السابقة ، قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:
-{ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}.
وتسميته محمدا وقعت في القرآن؛ سمي محمدا:
- لأن ربه حمده قبل أن يحمده الناس، وفي الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس.
- ولأنه خص بسورة الحمد، وبلواء الحمد، وبالمقام المحمود.
- وشرع له الحمد بعد الأكل، والشرب، والدعاء، وبعد القدوم من السفر.
وسميت أمته الحمادين، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه...
* * *
وأما عن صفاته الخَلقية :
فإن الله ابتعث رسوله وجيهاً جميلاً كريماً من أوسط اللبشر أجمعين اهل مشارقهم و اهل مغاربهم الأبيض منهم و الأسمر و الاصفر و الأحمر
- كان فخماً متلألأ مليحا أزهر شديد البياض جميل الوجه مشربا بحمرة مثل القمر في استدارته وجماله، ومثل الشمس في إشراقه، إذا سر يستنير ويتهلل وتنفرج أساريره(البخاري ومسلم و الترمذى)
و روى البخارى أن ابن عمر قد تمثل قول أبو طالب فى رسول الله:
وأبيضُ يستسقى الغمام بوجهه *** ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل
- جميل العينين طويل شعر عينه، تحسبه أكحل و ليس بأكحل (الترمذي وأحمد وأبو يعلى والحاكم والطبراني)
- كان صلى الله عليه وسلم أقني الأنف مستوٍ من أوله إلى أخره (ابن عساكر و صححه الألبان بالشواهد)
- ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد. (البخاري ومسلم)
- عريض الصدر، ممتلىءٌ لحماً، ليس بالسمين ولا بالنحيل، مستوى البطن والظهر(الطبراني والترمذي وابن نعيم وابن عساكر والبيهقي و صحيح ابن ماجة)
- بعيد بين المنكبين و على كتفه خاتمم النبوة. (البخارى و مسلم)
- كان عنقه صلى الله عليه وسلم كأنه إبريق فضة (ابن سعد والبيهقي)
- شعره حسن شديد السواد ليس بالجعد ؛ وهو الشعر الذي يلتف على بعضه، ولا بالسبط؛ وهو الشعر المسترسل شديد النعومة، وإنما بين ذلك، يبلغ شعره شحمة أذنيه أحياناً و منكبيه حيناً يفرقه فرقتين من وسط الرأس(البخارى و غيره)
* إذا مشطه بالمشط كأنه حبك الرمل ، أو كأنه المتون التي تكون في الغدر إذا سفتها (البيهقى) الرياح
- له لحية كثة عظيمة تملاً صدره وفي شعر رأسه ولحيته شعيرات بيض لا تبلغ العشرون. ( البخاري)
- واسع الفم، والعرب تمدح بذلك وتذم بصغر الفم، (مسلم)
إذا تكلم رُئي كالنور يخرج من بين ثناياه (الدرامي والترمذي)
- يداه رحبتان كبيرتان واسعتان لينة الملمس كالحرير، يقول أنس: "ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم". متفق عليه
- قدماه عظبمتان لينة الملمس، فكان يجمع في بدنه وأطرافه بين لين الملمس وقوة العظام. ( البخاري و غيره)
- يداه باردتان، لهما رائحة المسك يقول وائل بن حجر: " لقد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يمس جلدي جلده، فأتعرقه بعد في يدي، وإنه لأطيب رائحة من المسك". الطبراني والبيقهي
* وعن جابر بن سمرة: "مسح رسول الله خدي، فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار"(مسلم)
حتى إذا مر في طريق من طرق المدينة، وجد منه رائحة المسك، فيقال: مر رسول الله
وكان عرقه أطيب من ريح المسك، حتى قال أنس: " كأن عرقه اللؤلؤ " (مسلم)
وجمعت أم سليم من عرق النبي صلى الله عليه وسلم فجعلته في طيبها. (البخارى)
- إبطه أبيض، من تعاهده نفسه بالنظافة والتجمل. (البخارى و مسلم)
- إذا مشى يسرع، كأنما ينحدر من أعلى، لا يستطيع أحد أن يلحق به..( احمد وابن سعد وصححه أحمد شاكر)
- إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطقكلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، وإذا التفت التفت جميعاً لا برأسه فقط
فجمع الله له بين الجمال و الهيبة و الوقار((الهيثمى و شواهده فى الصحيح)
فقال جابر بن سمرة قال ((جعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر)). (أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي)
و قال عمرو ابن العاص فى حديث وفاته عن طبقات حياته : ((وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت...الحديث)) رواه مسلم
و قال عبدالله بن سلام كبير احبار اليهود فى المدينة لما رأى رسول الله: ((نظرت فى وجهه فعلمت أنه ليس بوجه كذاب)) (رواه البخارى)
* * *
أما عن صفاته الخُلقية:
- كان خلقه القرأن (مسلم)
- وكان يذكر الله على كل أحواله(مسلم )
- أصدق الناس، لُقب بالصادق الأمين ، و شهدوا له يوم خطب بالجبل ليصدع بالدعوة قائلين: ما جربنا عليك إلا صدقا (رواه مسلم)
- يعظم بر الوالدين، ، بكى على قبر أمه إذ أُذن له بزيارتها دون الإستغفار لها (رواه مسلم)
- كان أجود الناس، أجود بالخير من الريح المرسلة. (متفق عليه)
* ما سئل شيئا فقال: "لا" . يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. (مسلم)
* و كان لا يمنع شيئاً يسأله (أحمد و صححه الألبانى)
- أشجع الناس، عن أنس قال: كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس(متفق عليه)
* قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وإن الشجاع منا للذي يحاذى به يعني النبي صلى الله عليه وسلم " (متفق عليه)
- ما عرض عليه أمران إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما. (البخارى و مسلم)
- أشد حياء من العذراء في خدرها. (البخارى)
- ما عاب شيئا قط. (البيهقى و صححه الألبانى بالشواهد)
- ما عاب طعاما قط؛ إن اشتهاه أكله وإلا تركه. (البخارى)
- كان يردف خلفه ، و يضع الطعام على الأرض، و يجيب دعوة المملوك (الحاكم و صححه الألبانى)
- كان أعبد الناس
*عن عبد الله بن الشخير رضى الله عنه قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء" ( رواه أبو داود بسند صحيح)
*وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقالت عائشة : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : "أفلا أكون عبداً شكوراً" (رواه البخاري.)
- إذا تكلم تكلم ثلاثا، بتمهل، لا يسرع ولا يسترسل، لو عد العاد حديثه لأحصاه.(البخارى)
- لا يحب النميمة ويقول لأصحابه: " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". (أبو داود و الترمذى و صححه أحمد شاكر)
- خلوق رؤوف، قال أنس: "خدمت رسول الله عشر سنين، والله ما قال لي: أفا قط. ولا لشيء فعلته: لم فعلت كذا ؟، وهلا فعلت كذا؟". (مسلم )
- يحلم على الجاهل، ويصبر على الأذى. (البخارى ومسلم)
- يتبسم في وجه محدثه و يأمر بذلك(البخارى)
*يقبل على من يحدثه، حتى يظن أنه أحب الناس إليه. الألبانى و صححه)
- يسلم على الأطفال ويداعبهم و يحنو عليهم ، و يتجوز فى صلاته إن سمع بكاء الصغير رأفة بأمه .(البخارى و مسلم )
* أتى أعرابى فأنكر على الصحابة أنهم يقبلون أطفالهم فقال له عليه السلام:وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة" (متفق عليه)
* كان يداعب صغيراً له عصفور فيسأله : يا أبا عمير ما فعل النغير ( متفق عليه)
* كان يزور الأنصار و يسلم على صبيانهم ، و يمسح على رؤوسهم (النسائى و صححه الألبانى)
- كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشى مع الأرملة و المسكين و العبد حتى يقضى له حاجته (النسائى و صححه الألبانى)
- كان يأتى ضعفاء المسلمين و يزورهم و يعود مرضاهم، و يشهد جنائزهم (الحاكم و صححه الألبانى)
- ما التقم أحد أذنه، يريد كلامه، فينحّي رأسه قبله. (أبو داود بسند صحيح)
- يبدأ من لقيه بالسلام. (البخارى و مسلم)
- يأخذ بيد من يحدثه ، ولا ينزعها قبله.( أبوداود بسند صحيح)
- خير الناس لأهله يصبر عليهم، ويغض الطرف عن أخطائهم، ويعينهم في أمور البيت، يخصف نعله، ويخيط ثوبه. (البخارى فى الأدب/صححه الألبانى)
- يأتيه الصغير، فيأخذ بيده يريد أن يحدثه في أمر، فيذهب معه حيث شاء..(البخارى)
- يجالس الفقراء و ولا يأكل متكئاً (البخارى)
* يجلس كما يجلس العبد و يأكل كما يأكل العبد (أبو شيبة و أبو يعلى و الطبرانى بمراسيل صحيحة و وصله البزار)
*و يجلس القرفصاء محتبياً بيديه خاشعاً لله (حسنه الألبانى، و رواه الهيثمى برجال ثقات)
- يكره أن يقوم له أحد، كما ينهى عن الغلو في مدحه. (البخارى و غيره على شرطه)
* عن أنس قال: كانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك . (رواه الترمذي )
* كان يقول عليه السلام: لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسول( متفق عليه )
- وقاره عجب، لا يتكلم إلا عند الحاجة، بكلام يعد يحوي جوامع الكلم، حسن السمت. (البخارى و غيره)
* لا يضحك إلا تبسما، عن عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم ) "رواه البخاري)
- إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه.(متفق عليه)
- لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، ولا سخابا، بالأسواق، ولا لعانا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. (الترمذى و احمد بسند صحيح)
- لا يقابل أحدا بشيء يكرهه، وإنما يقول: (ما بال أقوام ). (البخارى)
- لا يغضب ولا ينتقم لنفسه، إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، فينتقم لله. (البخارى)
- ما ضرب بيمينه قط ولا إمرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله.(رواه مسلم)
- عظيم الوفاء و الاخلاص، تقول السيدة عائشة:ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن "(رواه البخاري)
- أوفى الناس بالعقود، يكرم صاحب الحق ، و يقضى الدين بالأحسن و يقول: إن من خيركم أحسنكم قضاء (متفق عليه)
* يوم الفتح اخذ مفتاح الكعبة من عثمان ابن طلحة سادنها فى الجاهلية ليدخلها...فقال على و المفتاح بيده فقال: اجمع لنا الحجابة مع السقاية , صلى الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فدعى له , فقال له : هاك مفتاحك يا عثمان , اليوم يوم وفاء وبر( صححه العلامة أحمد شاكر)
- لا تأخذه النشوة والكبر عن النصر:
* دخل في فتح مكة إلى الحرم خاشعا مستكينا، ذقنه يكاد يمس ظهر راحلته من الذلة لله تعالى والشكر له.. لم يدخل متكبرا، متجبرا، مفتخرا، شامتا.
* وقف أمامه رجل وهو يطوف بالبيت، فأخذته رعدة، وهو يظنه كملك من ملوك الأرض، فقال له رسول الله: "هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ". (صححه الأبانى موصولاً و مرسلاً و هو المحفوظ)
- كان زاهدا في الدنيا:
* يضطجع على الحصير، ويرضى باليسير، وسادته من أدم حشوها ليف. (البخارى و غيره)
* يمر الشهر وليس له طعام إلا التمر.. يتلوى من الجوع ما يجد ما يملأ بطنه، فما شبع ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى فارق الدنيا . (البخارى)
- رؤوف بالمؤمنين ، يمازحهم ولا يقول إلا حقاً (الترمذي)
*مازح أنس قائلاً : يا ذا الأذنين ( أبو داود والترمذى و صححه الألبانى).
*استحمله رجلاً ، فقال عليه السلام "إني حاملك على ولد الناقة" فقال يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة ؟ فقال عليه الصلاة و السلام "وهل تلد الإبل إلا النوق "(أبو داود والترمذي و صححه الألبانى)
- يأمر بالصدقة و المعروف و الاصلاح بين الناس...
* إقتتل أهل قباء حتى تراموا بالحجارة فأُخبر عليه الصلاة و السلام فقال : اذهبوا بنا نصلح بينهم (رواه البخارى)
- كان رحيما بأمته، أعطاه الله دعوة مستجابة، فادخرها لأمته يوم القيامة شفاعة، قال:
* ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا ) [البخاري]؛
ولذا قال تعالى عنه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}
- الخلاصة: كان أعظم الناس خلقاً (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
الصادق الأمين، العابد الزاهد، الطيب الجميل،الأب الحنون، الإبن البار، الزوج الرحيم، المعلم الصالح، المربى الرؤوف، الحكم العادل، المجاهد الشجاع،...إمام الدعاة، سيد المرسلين، رسول الله
فمن كان هذا حاله ما كان ليكذب أو يُكذب حتى أن أبا جهل فرعون هذه الأمة اعترف بذلك كما فى الحديث الذى رواه الترمذي عن علي بن أبى طالب أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)
البشارات الحسان برسول الله صلى الله عليه و سلم فى كتب اليهود و النصارى و غيرهم
تقدمــــــــة هامة
قبل أن نسرد البشارات الحسان العجاب برسول الله على لسان إخوانه أنبياء الله السابقين ننبه العقول و الألباب لأمر فصل يحسم فى مضمونه مراء اهل الكتاب و إنكارهم أن تكون كتبهم تحوى بشارات بمخرج سيد ولد أدم صلى الله عليه و أله و سلم
أولاً:
نصدر مقالنا بنقل كلامٍ موفق سديد من شيخ الإسلام العلامة الفهامة ابن القيم رحمة الله عليه فيقول :
[إنه من الممتنع أن تخلو الكتب المتقدمة عن الإخبار بهذا الأمر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق إلى قيام الساعة أمر أعظم منه ولا شأن أكبر منه ، فإنه قلب العالم وطبق مشارق الأرض ومغاربها ، واستمر على العالم على تعاقب القرون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ومثل هذا النبأ العظيم لا بد أن تتطابق الرسل على الإخبار به.
وإذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان وبقاؤه في الأرض أربعين يوماً قد تطابقت الرسل على الإخبار به وأنذر به كل نبي قومه من نوح إلى خاتم الرسل فكيف تتطابق الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها على السكوت عن الإخبار بهذاالأمر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه ولا يطرقه أبداً.
هذا ما لا يسوغه عقل عاقل وتأباه حكمة أحكم الحاكمين ، بل الأمر بضد ذلك ، وما بعث الله سبحانه نبيا إلا أخذ عليه الميثاق بالإيمان بمحمد وتصديقه ، كما قال تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ، قال ابن عباس : ما بعث الله من نبي إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتابعنه.]
و تالله إنه لكلام يساغ بماء الذهب و يلجم الكافر المجادل و يبهته فلا يستطيع أن يرد جواباً إذ إنشغلوا بالنفى النقلى فألزمهم شيخنا بالإثبات العقلى و النقلى
ثانياً :
نذكر الباحث المنصف بحقيقة هامة فى غاية الخطورة و هى أن كتب أهل الكتاب لا تنفى خروج نبى بعد المسيح بالعكس فقد وردت النصوص الإنجيلية لتؤكد إمكانية خروج نبى بعد المسيح عليه السلام و منها
قول المسيح عليه السلام: ((احترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة.16 من ثمارهم تعرفونهم.هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا.17 هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة.واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا رديّة.18 لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا رديّة ولا شجرة رديّة ان تصنع اثمارا جيدة.19 كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار)). (متى 7: 15-19)
و قول صاحب رسالة يوحنا: (( أيها الاحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الارواح هل هي من الله لان انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم.2 بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله)).(رسالة يوحنا الاولى 4: 1-2)
* فبتأمل هذه النصوص نجد الأقوال المنسوبة للمسيح و ليوحنا لا تنفى خروج نبى صادق بل بالعكس تحذر من الأنبيا الكذبة ثم تضع معايير للتمييز بين النبى الصادق و الكاذب ، فلو أن كل نبى ياتى بعد المسيح يكون كذاباً لما قال من ثمارهم تعرفونهم ثم يسهب فى بيان ان النبى الصادق تكون له ثمرة طيبة- و هذا سنتناوله بأذن الله حين نبحث باب الأثر الباهر الذى تركه رسول الله و بناءه للأمة- و لقال المسيح صراحة كل من سياتى بعدى سيكون كاذباً كما قال رسول الله ( و إنه لا نبى بعدى)
*و أيضاً يوحنا يأمر باختبار الأرواح أى الأنبياء لمعرفة الصادق من الكاذب
بل نلاحظ هنا سبحان الله أن يوحنا جعل مقياس النبى الصادق هو الذى يومن بيسوع المسيح ، و نحن معشر المسلمين نؤمن بالفعل ان ابن مريم الناصرى هو المسيح بل و من أولى العزم من الرسل
ملحوظة:و أما قوله أنه قد جاء فى الجسد فهذا تأكيد على بشريته ، فهنا نلاحظ امرين:
أ- أن هذا هو عين ما نؤمن به حين ينفى القرأن الوهية المسيح مركزاً على حقيقتة كبشر له جسد و وظائف جسدية لا تليق بالإله الكامل لكل ذى لب فقال تعالى ((مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ))
و النص فى يوحنا لم يقل أن الله جاء فى الجسد و إنما ان يسوع المسيح قد جاء فى الجسد يعنى تأكيد بشريته و هذا ما يؤكده العودة لمعنى عبارة جاء فى الجسد حسب قواميس الكتاب المقدس أيضاً
يقل الدكتور شريف حمدى:
أولا كلمة " جاء come "
يقول قاموس strong التابع لبرنامج e-sword
G2064
ἔρχομαι
erchomai
er'-khom-ahee
Middle voice of a primary verb (used only in the present and imperfect tenses, the others being supplied by a kindred [middle voice] word, ἐλεύθομαι eleuthomai or ἔλθω elthō; which do not otherwise occur); to come or go (in a great variety of applications, literally and figuratively): - accompany, appear, bring, come enter, fall out, go, grow, X light, X next, pass, resort, be set.
الكلمة تحتمل معنى جاء ومعاني أخرى ويتضح المعنى من السياق لا من العقائد الملفقة..
و عبارة "جاء فى الجسد"
G4561
σάρξ
sarx
sarx
Probably from the base of G4563; flesh (as stripped of the skin), that is, (strictly) the meat of an animal (as food), or (by extension) the body (as opposed to the soul (or spirit), or as the symbol of what is external, or as the means of kindred, or (by implication) human nature (with its frailties (physically or morally) and passions), or (specifically) a human being (as such): - carnal (-ly, + -ly minded), flesh ([-ly]).
الله أكبر.... معناها human being........إنسان
و هذا معناه أن الترجمة الصحيحة...
و يظهر ذلك جلياً فى بعض ترجمات الكتاب المقدس كترجمة cev و التى فيها:
1Jo 4:2 and you can know which ones come from God. His Spirit says that Jesus Christ had a truly human body
ب- المفجأة الكبرى أن جملة (المسيح انه جاء فى الجسد) غير اصليه ومضافه لانها غير موجوده فى المخطوطات السينائيه والفاتيكانيه والسكندريه وغيرها ، اضافة الى السريانيه والقبطيه والعربيه والارمينيه والحبشيه و الفولجات
ومن كتابات الاباء ، اوريجين وايرينايوس وكيريل وغيرهم
وحذفها العلماء جرايسباخ وويستكوت وهورت ونيستل والاند وتشايندروف وتريجلز من النص نهائيا
فتصبح الجمله (وكل روح لا يعترف بيسوع فليس من الله )
الله أكبر أليس المسلمون أولى الناس بعيسى تقديراً و حباً و إيماناً به؟!
زد على ذلك أن النصارى أنفسهم يؤمنون برسالة بولس و أنه رسول بعث و أوحى اليه بعد المسيح، فمجادلتهم بخصوص الرسالة بعد المسيح ‘نما هى طعن فى أصول و تضييع لكتابهم و إنكار لكتبة أناجيلهم قاطبة!
ليس هذا فحسب و من شاء فليقرأ:
- فى يوم الخمسين تنبأ 120 شخص بحلول الروح القدي عليهم (أعمال 1: 15، 2: 17، أفسس2: 20)
- النبيات الأربع بنات فيلبس (أعمال 21: 9)
- الأنبيا يهوذا و سيلا و أجابوس (أعمال 15: 32)
- الأنبياء المتواجدون فى أنطاكيا (أعمال 11: 27/ 13: 1/21: 10)
ثالثاً:
اعلم و تنبه أرشدك الله أن النبى صلى الله عليه و أله و سلم جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته ، وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به.
قال ابن القيم: [إنه صلى الله عليه و سلم أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه ، فلو كان هذا باطلا لا صحة له ، لكان ذلك تسليطاً للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطاً لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطاً لأتباعه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه ، وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه ، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون، فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من ير جهة إخباره ، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟]
رابعاً :
اعلم أن المؤمنين به من الأحبار والرهبان من لدن رسول الله إلى يومنا هذا الذي آثروا الحق على البالط صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال.. و ذكر ذلك الامر القرأن العظيم ليكون حجة على أهل الكتاب ، وقد شهد للنبى صلى الله عليه و سلم عدولهم و سادتهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك ،
قال تعالى(( ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)) .
وقال تعالى ((قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) .
وقال تعالى (( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب)) .
وقال تعالى : ((ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين)) .
وقال تعالى : ((الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون)) .
و قال تعالى (( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا . ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا))
و لنذكر نماذج مما وقع من ذلك فى حياة رسول الله منها:
1) جهر اليهود بخروج نجم النبى صلى الله عليه و سلم يوم ولد، و هذا سبق بيانه فى البحث المنصرم
2) تفرس بحيرا الراهب به و اخباره انه سيد العالمين ، و هذا أيضاً سبق ذكره
3) إعتراف هرقل برسول الله كما فى حديث أبى سفيان فى البخارى : ((إن يكن ما تقول حقاً إنه لنبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم ، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي))
4) مجىء سلمان الفارسىإالى جزيرو العرب بعد أن بحث عن الحق و علم من احبار النصارى فى بلاده أن نبى اخر الزمان يخرج فى ارض العرب و علم صفته و مخرجه و ضحى بوطنه و ماله بل و سقط فى الرق فى سبيل شهادة النبى إلى ان اعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم بمباركة غريبة فى مال أعطاه اياه
و الخبر بسياقه المطول رواه أحمد في المسند (5/441) وقال المحققون : إسناده حسن
5) إيمان النجاشى ملك الحبشة بالنبى و إسلامه لله و حمايته للمؤمنين المهاجرين لما علم من خبر النبى عليه الصلاة و السلام
كتاب السيرة النبوية، الجزء 2، صفحة 185 و صحيح البخاري -كتاب المناقب – باب موت النجاشي
و كذا إسلام وفد القساوسة الذين أرسلهم إلى رسول الله و نزلت بشأنهم أيات تخلد إيمانهم فى سورة المائدة
6) إسلام عدى ابن حاتم الطائى الشهير و هذا أورده الإمام أحمد و الترمذي و الحاكم وغيرهم. حين أُتى بها إلى النبى وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما يفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله سوى الله قال: قلت لا ، ثم تكلم ساعة، ثم قال: ما يفرك أن يقال الله تعالى أكبر وتعلم أن شيئاً أكبر من الله ؟ قال: قلت لا..
7) إيمان عبدالله بن سلام ، إذ روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك
{ قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فقالوا : جاء نبي الله ن فاستشرقوا ينظرون ، إذ سمع به عبد اله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم فيها فجاء وهي معه، فسمع من نبي الل صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله ، فلما خلي نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام ، فقال أشهد أنك نبي الله حقاً وأنك جئت بالحق ، ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في.
فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه ، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم ! اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً ، وأني جئتكم بحق ، أسلموا ، قالوا : ما نعلمه ، فأعادها عليهم ثلاثاً وهم يجيبونه كذلك ، قال : أي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال : أفرأيتم إن أسلم؟ ، قالوا حاش لله ما كان ليسلم ، فقال : يا ابن سلام أخرج عليهم قال : فخرج عليهم فقال : يا معشر اليهود ويلكم ، اتقوا الله ! فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً ، وأنه جاء بالحق ، فقالوا كذبت ، فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا : شرنا وابن شرنا . وانتقصوه ، قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله}
وروى أحمد والبخاري عن عطاء بن يسار قال :
{لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا }.
8) خبر السيدة صفية /ذكر ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر ، قال : حدثت عن صفية بن حيي انها قالت : كنت احب ولد ابي اليه والى عمي ابي ياسر فما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة غدوا عليه ثم جاءا من العشى ، فسمعت عمي يقول لابي اهو هو قال : نعم والله ، قال اتعرفه وتثبته ، قال نعم، قال : فما في نفسك منه ، قال عدواته والله ما بقيت.
فأهل الكتاب فى المدينة قاطبة كانو ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانو يقولون (( اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس) أورده الحاكم و ابن اسحق و غيرهما
و لكنهم جحدوه حسداً و تكبراً على اصطفاء الله و مشيئته و هذا مصداق قوله تعالى:
((وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ))
((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون))
لمتابعة المقال اضغط: هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق