والروم كانوا مرهوبين من العرب قبل الإسلام ؛ وكانوا مسيطرين على شمال الجزيرة لفترة طويلة ؛ ولهم أعوان من القبائل العربية ، وسلطنة خاضعة لنفوذهم هي سلطنة الغساسنة .. وحقيقة أن هذه لم تكن أول ملحمة يخوضها المسلمون مع الروم ، بعد أن أعز اللّه أولئك العرب بالإسلام ، وجعل منهم أمة تواجه الروم والفرس بعد أن كانوا قبائل لا تجرؤ ولا تفكر في الالتحام بالروم والفرس ؛ وكل ما عرف عنها من شجاعة إنما يتبدى في قتال بعضها لبعض ، وفي الغارات والثارات والنهب والسلب ! ولكن مهابة الروم كانت ما تزال باقية في أعماق النفوس - وبخاصة تلك التي لم يتم انطباعها بالطابع الإسلامي الأصيل - وكانت آخر ملحمة كبيرة بين المسلمين والروم - وهي غزوة مؤتة - ليست في صالح المسلمين . وقد احتشد فيها من الروم وعملائهم من نصارى العرب ما روي أنه مائتا ألف !
كل هذه الملابسات - سواء ما يتعلق منها بتركيب المجتمع المسلم في هذه الفترة ؛ أو ما يختص برواسب المهابة للروم والتخوف من الالتحام معهم ؛ مضافاً إليها ظروف الغزوة ذاتها - وقد سميت غزوة العسرة لما سنبينه من الظروف التي أحاطت بها - وفوق ذلك كله شبهة أن الروم وعمالهم من نصارى العرب هم أهل كتاب .. كل هذه الملابسات دعت إلى زيادة الإيضاحات والبيانات القوية لتقرير حتمية هذا الأمر ، وإزالة الشبهات والمعوقات النفسية ، وجلاء الأسباب والعوامل لتلك الحتمية ..
وفي هذه الآية يبين السياق القرآني ضلال عقيدة أهل الكتاب هؤلاء ؛ وأنها تضاهىء عقيدة المشركين من العرب ، والوثنيين من قدامى الرومان وغيرهم . وأنهم لم يستقيموا على العقيدة الصحيحة التي جاءتهم بها كتبهم ؛ فلا عبرة إذن بأنهم أهل كتاب ، وهم يخالفون في الاعتقاد الأصل الذي تقوم عليه العقيدة الصحيحة في كتبهم . والذي يلفت النظر هو ذكر اليهود هنا وقولهم :
عزير ابن اللّه ؛ في حين أن الآيات كانت بصدد التوجيه والتحضير لمواجهة الروم وحلفائهم من نصارى العرب .. وذلك - على ما نرجح - يرجع إلى أمرين :
الثاني : أن اليهود كانوا قد رحلوا من المدينة إلى أطراف الشام ؛ بعدما اشتبكوا مع الإسلام والمسلمين في حرب مريرة منذ مقدم
الرسول - صلى اللّه عليه وسلم- إلى المدينة . انتهت بإجلاء بني قينقاع وبني النضير إلى أطراف الشام ؛ هم وأفراد من
بني قريظة . فكان اليهود يومئذ في طريق الانطلاق الإسلامي إلى أطراف الشام . مما اقتضى أن يشملهم ذلك الأمر ، وأن يشملهم هذا البيان .
وقول النصارى :المسيح ابن اللّه، معلوم مشهور ؛ وما تزال عليه عقائدهم حتى اللحظة منذ أن حرفها بولس ، ثم تم تحريفها على أيدي المجامع المقدسة – كما سنبين – فأما قول اليهود : عزير ابن اللّه، فليس شائعاً ولا معروفاً اليوم . والذي في كتب اليهود المدونة الباقية سفر باسم عزرا - وهو عزير – نعت فيه بأنه كاتب ماهر في توراة موسى ، وأنه وجه قلبه لالتماس شريعة الرب .. ولكن حكاية هذا القول عن اليهود في القرآن دليل قاطع على أن بعضهم على الأقل – وبخاصة يهود المدينة – زعموا هذا الزعم ، وراج بينهم ؛ وقد كان
القرآن يواجه اليهود والنصارى مواجهة واقعية ؛ ولو كان فيما يحكيه من أقوالهم ما لا وجود له بينهم لكان هذا حجة لهم على تكذيب ما يرويه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ولما سكتوا عن استخدام هذا على أوسع نطاق ! وقد أورد المرحوم الشيخ رشيد رضا في الجزء العاشر من تفسير المنار ص 378 - ص 385.
خلاصة مفيدة عن مكانة عزرا عند اليهود وعلق عليها كذلك تعليقاً مفيداً ننقل منه هنا فقرات تفيدنا في بيان حقيقة ما عليه اليهود إجمالاً . قال : جاء في دائرة المعارف اليهودية [ طبعة 1903 ] أن عصر عزرا هو ربيع التاريخ الملي لليهودية الذي تفتحت فيه أزهاره وعبق شذا ورده . وأنه جدير بأن يكون هو ناشر الشريعة وفي الأصل عربة أو مركبة الشريعة لو لم يكن جاء بها موسى [ التلمود 21ب ] .
فقد كانت نسيت . ولكن عزرا أعادها أو أحياها . ولولا خطايا بني إسرائيل لاستطاعوا رؤية الآيات [ المعجزات ] .
كما رأوها في عهد موسى .. اهـ .. وذكر فيها أنه كتب الشريعة بالحروف الأشورية - وكان يضع علامة على الكلمات التي يشك فيها - وأن مبدأ التاريخ اليهودي يرجع إلى عهده .
وقال الدكتور جورج بوست في قاموس الكتاب المقدس : عزرا عون ؛ كاهن يهودي وكاتب شهير سكن بابل مدة ارتحشثتا الطويل الباع ؛ وفي السنة السابعة لملكه أباح لعزرا بأن يأخذ عدداً وافراً من الشعب إلى أورشليم نحو سنة 457 ق . م [ عزرا ص 7 ] .
وكانت مدة السفر أربعة أشهر .
ثم قال : وفي تقليد اليهود يشغل عزرا موضعاً يقابل بموضوع موسى وإيليا ؛ ويقولون إنه أسس المجمع الكبير ، وأنه جمع أسفار الكتاب المقدس ، وأدخل الأحرف الكلدانية عوض العبرانية القديمة ، وأنه ألف أسفار [ الأيام وعزرا و نحميا ] .
ثم قال : ولغة سفر [ عزرا من ص 4 : 8 - 6 : 19 كلدانية ، وكذلك ص 7 : 1 - 27 ] ، وكان الشعب بعد رجوعهم من السبي يفهمون الكلدانية أكثر من العبرانية . اهـ .
وأقول : إن المشهور عند مؤرخي الأمم ، حتى أهل الكتاب منهم ، أن
التوارة التي كتبها موسى عليه السلام ووضعها في تابوت العهد أو بجانبه ، قد فقدت قبل عهد سليمان عليه السلام . فإنه لما فتح التابوت في عهده لم يوجد فيه غير اللوحين اللذين كتبت فيهما الوصايا العشر ، كما تراه في سفر الملوك الأول . وأن عزرا هذا هو الذي كتب التوارة وغيرها بعد السبي بالحروف الكلدانية ، واللغة الكلدانية الممزوجة ببقايا اللغة العبرية التي نسي اليهود معظمها . ويقول أهل الكتاب : إن عزرا كتبها كما كانت بوحي أو بإلهام من اللّه .. وهذا ما لا يسلمه لهم غيرهم ، وعليه اعتراضات كثيرة مذكورة في مواضعها من الكتب الخاصة بهذا الشأن ، حتى من تآليفهم ، كذخيرة الألباب للكاثوليك - وأصله فرنسي - وقد عقد الفصلين الحادي عشر والثاني عشر لذكر بعض الاعتراضات على كون الأسفار الخمسة لموسى . ومنها قوله :
أن جميع الأسفار المقدسة حرقت بالنار في عهد نبو خذ نصر ، حيث قال : إن النار أبطلت شريعتك فلم يعد سبيل لأي امرى ء أن يعرف ما صنعت !
ويزاد على ذلك أن عزرا أعاد بوحي الروح القدس تأليف الأسفار المقدسة التي أبادتها النار ، وعضده فيها كتبة خمسة معاصرون ، ولذلك ترى ثرثوليانوس ، والقديس إيريناوس ، والقديس إيرونيموس ،
والقديس يوحنا الذهبي فم، والقديس باسيليوس ، وغيرهم يدعون عزرا : مرمم الأسفار المقدسة المعروفة عند اليهود .. اهـ .. إلى أن قال : ... نكتفي بهذا البيان هنا ولنا فيه غرضان :
أحدهما : أن جميع أهل الكتاب مدينون لعزير هذا في مستند دينهم وأصل كتبهم المقدسة عندهم .
وثانيهما : أن هذا المستند واهي النسيان متداعي الأركان ، وهذا هو الذي حققه علماء أوربة الأحرار . فقد جاء في ترجمته من دائرة المعارف البريطانية بعد ذكر ما في سفره وسفر نحميا من كتابته للشريعة : أنه جاء في روايات أخرى متأخرة عنها أنه لم يعد إليهم الشريعة التي أحرقت فقط ، بل أعاد جميع الأسفار العبرية التي كانت قد اتلفت ، وأعاد سبعين سفرا غير قانونية [ أبو كريف ] .
ثم قال كان كاتب الترجمة فيها : وإذا الأسطورة الخاصة بعزرا هذا قد كتبها من كتبها مِن المؤرخين بأقلامهم من تلقاء أنفسهم ، ولم يستندوا في شيء منها إلى كتاب آخر ، فكتاب هذا العصر يرون أن أسطورة عزرا قد اختلقها أولئك الرواة اختلاقاً .. [ انظر ص 14 ج 9 من الطبعة الرابعة عشرة سنة 1929 ] .
وجملة القول : أن اليهود كانوا وما يزالون يقدسون عزيرا هذا حتى إن بعضهم أطلق عليه لقب " ابن اللّه " . ولا ندري أكان إطلاقه عليه بمعنى التكريم الذي أطلق على إسرئيل وداود وغيرهما ، أم بالمعنى الذي سيأتي قريباً عن فيلسوفهم
فيلو وهو قريب من فلسفة وثني الهند التي هي أصل عقيدة النصارى . وقد اتفق المفسرون على أن إسناد هذا القول إليهم يراد به بعضهم لا كلهم .
وأما الذين قالوا هذا القول من اليهود فهم بعض يهود المدينة ، كالذين قال اللّه فيهم : { وقالت اليهود : يد اللّه مغلولة ، غلت أيديهم ! } .. الآية .. والذين قال فيهم : { لقد كفر الذين قالوا : إن اللّه فقير ونحن أغنياء } ، رداً على قوله تعالى : { من ذا الذي يقرض اللّه قرضاً حسناً } ، ويحتمل أن يكون قد سبقهم إليه غيرهم ولم ينقل إلينا ..
روى ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : قال : أتى رسول اللّه سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وأبو أنس وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزير ابن اللّه ؟! … الخ .
ومن المعلوم أن بعض النصارى الذين قالوا : إن المسيح ابن اللّه كانوا من اليهود . وقد كان فيلون الفيلسوف اليهودي الإسكندري المعاصر للمسيح يقول : إن للّه ابناً هو كلمته التي خلق بها الأشياء . فعلى هذا لا يبعد أن يكون بعض المتقدمين على عصر البعثة المحمدية قد قالوا : إن عزيرا ابن اللّه بهذا المعنى .. ومن هذا البيان يتضح ما وراء حكاية القرآن لقول اليهود هذا - في هذه المناسبة التي يتوخاها السياق - فهي تقرير حقيقة ما عليه فريق من أهل الكتاب من فساد الاعتقاد ، الذي لا يتفق معه أن يكونوا مؤمنين باللّه ، أو أن يكونوا يدينون دين الحق . وهذه هي الصفة الأساسية التي قام عليها حكم القتال . وإن يكن القصد من
القتال ليس هو اكراههم على الإسلام ؛ وإنما هو كسر شوكتهم التي يقفون بها في وجه الإسلام ؛ واستسلامهم لسلطانه ليتحرر الأفراد - في ظل هذا الاستسلام - من التأثر بالضغوط التي تقيد إرادتهم في اختيار دين الحق من غير إكراه من هنا أو من هناك .
أما قول النصارى المسيح ابن اللّه ؛ وأنه ثالث ثلاثة فهو - كما قلنا - شائع مشهور ، وعليه جميع مذاهبهم منذ أن حرف بولس رسالة المسيح القائمة على التوحيد كبقية الرسالات ؛ ثم أتمت تحريفها المجامع المقدسة ، وقضت على أصل فكرة التوحيد قضاء نهائياً !
وسنكتفي مرة أخرى بنقل ملخص جيد في عقائد النصارى عن تفسير المنار للأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا - جاء فيه بعنوان : ثالوث : Trinite - y.
"كلمة تطلق عند النصارى على وجود ثلاثة أقانيم معاً بالأب والابن والروح القدس ، وهذا التعليم هو من تعاليم
الكنيسة الكاثوليكية والشرقية وعموم البروتستانت إلا ما ندر ، والذين يتمسكون بهذا التعليم يذهبون إلى أنه مطابق لنصوص
الكتاب المقدس ، وقد أضاف اللاهوتيون إليه شروحاً وإيضاحات اتخذوها من تعاليم المجامع القديمة وكتابات آباء الكنيسة العظام . وهي تبحث عن طريقة ولادة الأقنوم الثاني وانبثاق الأقنوم الثالث ، وما بين الأقانيم الثلاثة من النسبة ، وصفاتهم المميزة وألقابهم . ومع أن لفظة ثالوث لا توجد في الكتاب المقدس ، ولا يمكن أن يؤتى بآية من العهد القديم تصرح بتعليم الثالوث ، قد اقتبس المؤلفون المسيحيون القدماء آيات كثيرة تشير إلى وجود صورة جمعية في اللاهوت ؛ ولكن إذ كانت تلك الآيات قابلة لتفاسير مختلفة كانت لا يؤتى بها كبرهان قاطع على تعليم الثالوث بل كرموز إلى الوحي الواضح الصريح الذي يعتقدون أنه مذكور في
العهد الجديد . وقد اقتبس منه مجموعان كبيران من الآيات كحجج لإثبات هذا التعليم أحدهما الآيات التي ذكر فيها الأب والابن والروح القدس معاً والآخر التي ذكر فيها كل منهم على حدة والتي تحتوي على نوع أخص صفاتهم ونسبة أحدهم إلى الآخر ، التي ذكر فيها كل منهم على حدة والتي تحتوي على نوع أخص صفاتهم ونسبة أحدهم إلى الآخر .
والجدال عن الأقانيم في اللاهوت ابتدأ في العصر الرسولي . وقد نشأ على الأكثر عن تعاليم الفلاسفة الهيلانيين والغنوسطيين فإن ثيوفيلوس أسقف إنطاكية في القرن الثاني استعمل كلمة [ ترياس ] باليونانية ، ثم كان
ترتليانوس أول من استعمل كلمة ترينيتاس المرادفة لها ومعناها
الثالوث ، وفي الأيام السابقة للمجتمع النيقاوي حصل جدال مستمر في هذا التعليم وعلى الخصوص في الشرق ؛ وحكمت الكنيسة على كثير من الآراء بأنها أراتيكية ومن جملتها آراء الأبيونيين الذين كانوا يعتقدون أن المسيح إنسان محض "والسابيليين" الذين كانوا يعتقدون أن الأب والابن والروح القدس إنما هي صور مختلفة أعلن بها الله نفسه للناس "
والأريوسيين" الذين كانوا يعتقدون أن الابن ليس أزليا كالأب بل هو مخلوق منه قبل العالم ، ولذلك هو دون الأب وخاضع له ، "والمكدونيين" الذين أنكروا كون الروح القدس أقنوما .
في هذا يماثلون قول الذين كفروا من قبل ومعتقداتهم وتصوراتهم :
{ ذلك قولهم بأفواههم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } ..
فهو أولاً يثبت أن هذا القول صادر منهم ، وليس مقولاًعنهم . ومن يذكر أفواههم لاستحضار الصورة الحسية الواقعية - على طريقة القرآن في التصوير - إذ أنه مفهوم أن قولهم يكون بأفواههم . فهذه الزيارة ليست لغواً - تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً - وليست إطناباً زائداً ، إنما هي طريقة التعبير القرآنية التصويرية ؛ فهي التي تستحضر صورة القول ، وتحيلها واقعية كأنها مسموعة مرئية ! وذلك فضلاً على ما تؤديه من معنى بياني آخر - إلى جانب استحياء الصورة وإثباتها - وهو أن هذا القول لا حقيقة له في عالم الواقع ؛ إنما هو مجرد قول بالأفواه ، ليس وراءه موضوع ولا حقيقة !
ثم نجيء إلى ناحية أخرى من الإعجاز القرآني الدال على مصدره الرباني . ذلك قول اللّه سبحانه :
{ يضاهئون قول الذين كفروا من قبل }
ولقد كان المفسرون يقولون عن هذه الآية : إن المقصود بها أن قولتهم ببنوة أحد للّه ، تماثل قول المشركين العرب ببنوة الملائكة للّه .. وهذا صحيح .. ولكن دلالة هذا النص القرآني أبعد مدى . ولم يتضح هذا المدى البعيد إلا حديثاً بعد دراسة عقائد الوثنيين في الهند ومصر القديمة والإغريق . مما اتضح معه أصل العقائد المحرفة عند أهل الكتاب - وبخاصة النصارى - وتسربها من هذه الوثنيات إلى
تعاليم بولس الرسول
أولاً ؛ ثم إلى تعاليم المجامع المقدسة أخيراً ..
إن الثالوث المصري المؤلف من أوزوريس وإيزيس وحوريس هو قاعدة الوثنية الفرعونية . وأزوريس يمثل الأب ؛ وحوريس يمثل الابن في هذا الثالوث .
وفي
علم اللاهوت الإسكندري الذي كان يدرس قبل المسيح بسنوات كثيرة "الكلمة هي الإله الثاني" ويدعي أيضاً "ابن اللّه البكر" .
والهنود كانوا يقولون بثلاثة أقانيم أو ثلاث حالات يتجلي فيها الإله : "برهما" في حالة الخلق والتكوين . و"فشنو" في حالة الحفظ والقوامة . و "سيفا" في حالة الإهلاك والإبادة .. وفي هذه العقيدة ، أن "فشنو" هو الابن المنبثق والمتحول عن اللاهوتية في برهما !
وكان الأشوريون يؤمنون بالكلمة ، ويسمونها: مردوخ ؛ ويعتقدون أن مردوخ هذا هو ابن اللّه البكر !
وكان الإغريق يقولون بالإله المثلث الأقانيم . وإذا شرع كهنتهم في تقديم الذبائح يرشون المذبح بالماء المقدس ثلاث مرات ، ويأخذون البخور من المبخرة بثلاث أصابع ، ويرشون المجتمعين حول المذبح بالماء المقدس ثلاث مرات .. إشارة إلى التثليث .. وهذه الشعائر هي التي أخذتها الكنيسة بما وراءها من العقائد
الوثنية وضمتها للنصرانية تضاهى ء بها قول الذين كفروا من قبل !
ومراجعة عقائد الوثنيين القدامى - التي لم تكن معروفة وقت نزول القرآن - مع هذا النص القرآني : { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } - كما أنها تثبت أن أهل الكتاب لا يدينون دين الحق ، ولا يؤمنون باللّه الإيمان الصحيح - تبين كذلك جانباً من جوانب الإعجاز في القرآن الكريم ، بالدلالة على مصدره ، وأنه من لدن عليم خبير ..
وبعد هذا التقرير والبيان تختم الآية المبينة لحقيقة ما عليه أهل الكتاب من الكفر والشرك ، بقوله تعالى : { قاتلهم اللّه ! أنى يؤفكون ؟ }
نعم .. قاتلهم اللّه ! كيف يُصرفون عن الحق الواضح البسيط ، إلى هذه الوثنية المعقدة الغامضة التي لا تستقيم لدى عقل أو ضمير ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق