"هل نأكل ونشرب اللاهوت في الإفخارستيا؟!"
يقول الأب المثلث الطوبى المتنيح القمص بيشوي كامل في مذكراته
"استلمت الذبيحة صباحا واشتركت مع الروح القدس في تحويل الخبز والخمر ومسكت الله بيدي وأكلته وهذا لا يقل عما صنعه الله مع كل من إرميا وإشعياء" (من مذكراته في الأربعين يوم عقب الرسامة، يوم الثلاثاء 23/12/ 1959. عن كتاب "القمص بيشوي كامل حامل الصليب -الذي قدم له قداسة البابا شنودة الثالث- ص 232؛ 251)
يقول الكاهن في الاعتراف الأخير ختاما للقداس الإلهي، والشعب كله ساجد:
أؤمن، أؤمن ، أؤمن. وأعترف إلى النفس الأخير:
1. أن هذا هو الجسد المحيِّ الذي أخذه ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة
مريم العذراء.
2. وجعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.
3. واعترف الاعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطي. وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة بإرادته وحده عنا كلنا
4. بالحقيقة أؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين
5. يعطى عنا خلاصاً وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه
أؤمن، أؤمن ، أؤمن. أن هذا هو بالحقيقة آمين.
ماذا يريد الكاهن أن يقول في هذا الاعتراف؟
1. الخبز والخمر الموضوعان أمام الكاهن يحملان سر الجسد المحيِّ نفس الجسد الذي أخذه من القديسة والدة الإله بالروح القدس.
2. أن هذا الجسد جعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، أي أن الجسد الموضوع يحمل سر اللاهوت، "فأنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا" (كو 9:2).
3. أن هذا الجسد هو الذي أسلمه بيلاطس ليُصلَب عنا. وقد تم كل ذلك بسلطان المسيح وحده من أجل خلاصنا كلنا. "لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضا، ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها" (يو 18:10)
4. الجسد يحمل سر اللاهوت، وأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. فاللاهوت لم يفارق الجسد من بعد الاتحاد. الله أتى ليتحد بنا في
سر التجسد اتحاداً أبدياً غير قابل للافتراق. "واحد هو عمانوئيل، وغير مفترق من بعد الاتحاد" (القسمة السريانية).
5. هذا الجسد الموضوع أمام الكنيسة في هذه اللحظة الذي صار واحدا مع اللاهوت، لا يفترق اللاهوت عنه بعد الاتحاد لحظة واحدة ولا طرفة عين. هو نفسه الذي يعطَي عنا خلاصاً وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه، وذلك بسبب سر اللاهوت الذي يحمله.
هذا الاعتراف يقوله الكاهن قبل التناول، مُقراً أمام الله بإيمان مُثلَّث في بدايته وختامه، يعترف فيه إلي النفس الأخير، أي إلى الموت. يردد الكاهن هذا الإيمان بصوت جهوري على مسمع من كل الشعب. بهذا الاعتراف الذي يختتم القداس، يُقِر الكاهن أمام الله بصحة إيمانه المسلًم، كما يؤكد علي وحدة الإيمان مع كل الشعب. وبهذا الإيمان الواحد يتقدم الكل ككنيسة واحدة لله، لقبول الخلاص بمغفرة الخطايا. هذا الخلاص الثمين المقدَّم مرة عن العالم كله في الصليب نتقبله من خلال الجسد والدم الأقدسين الحاملين لسر المسيح الواحد غير المنقسم . إن
نسطور الذي كان بطريركا للقسطنطينية، هو الذي فصل بين اللاهوت والناسوت فحرم هرطقته
مجمع أفسس بيد القديس كيرلس بابا الإسكندرية، وطُرِد من كرسيه.
فرغم وضوح هذا الإيمان المعلن في اعتراف الكاهن، والذي نقر به جميعا كأقباط أرثوذكس إلا أن البعض يثير جدلاً لا طائل منه إلا البلبلة وخلق الانقسام في صفوف كنيسة الله الحي.
يتساءل كاتب مقال اللاهوت المقارن مستنكرا الإيمان الأرثوذكسيً. (مجلة الكرازة السنة 32 العددان 25-26 6 أغسطس2004)
"هل نأكل ونشرب اللاهوت في الإفخارستيا؟!"
إن السيد المسيح قال "من يأكل جسدي و يشرب دمي" (يو 56:6) ولم يقل من يأكل ويشرب لاهوتي... إن الله روح (يو 24:4) والروح لا يؤكل ويشرب.
كذلك فالذي يأكل من الطبيعة الإلهية وتثبت فيه فهو يخرج من التناول إلها يسجد له الذين في الكنيسة. على أنه تقابلنا هنا مشكلة وهي ماذا عن الذين يتناولون بدون استحقاق؟ هل يأكلون اللاهوت ويشربون اللاهوت؟ ويأكلون أيضاً دينونة لأنفسهم في نفس الوقت (1كو 29:11)؟!
في هذه العبارات المقتضبة، يهاجم كاتب المقال كل التعاليم الأرثوذكسية عن سر الإفخارستيا، فهو أولاً يفصل لاهوت المسيح عن ناسوته، الأمر الذي يتعارض مع اعتراف الكاهن الذي عرضناه في مقدمة حديثنا هذا.
الكاتب يقتطع فقرة واحدة من الآية لتخدم فكره الذي يتعارض مع الحق الإنجيلي، ثم يهمل باقي الآية عمداً. فلو أكمل الآية لظهر المعنى الحقيقي الذي يريد أن يخفيه. يقول الكاتب "من يأكل جسدي و يشرب دمي" فبالرغم أن هذا الشطر، من الجملة الشرطية، لا يعطي أي معني مفيد، فالكاتب يحذف نصف الآية الهام الذي يعطي لها معناها ، "يثبُت فيًّ وأنا فيه". فمن يأكل جسد المسيح ويشرب دمه يثبت في المسيح والمسيح فيه. فهل المسيح يثبت فينا بدون لاهوته؟! لفظ "المسيح" معناه لاهوتاً متحداً بالناسوت بغير انفصال، كما يقول القديس كيرلس "المسيح واحد". فمن يفصل بين اللاهوت والناسوت يتبع فكر نسطور الهرطوقي. ولفظ "فيَّ" يعود على السيد المسيح بلاهوته وناسوته، ومعنى الآية لا يحتمل أي فهم آخر. ما معنى الثبات في المسيح؟ كيف يمكن أن يمنحنا الجسد والدم الثبات في المسيح ما لم يكن يحمل سر لاهوته؟ ما معني الجسد والدم بدون لاهوت؟ فهل هو جسد ميت أم جسد حي ومحيِّ؟ وكيف يمنح الحياة الأبدية لمن يأكل منه بدون اللاهوت؟ "من يأكل جسدي و يشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 54:6). لكن الكاتب الماهر أغفل الشطر الهام من الآية عُنوةً، ثم يكمل ما حذفه من الآية بشطراً ناقصاً من آية أخرى، "إن الله روح". إن استخدامه لهذا الشطر من الآية يحمل إنكاراً لسر التجسد، فالله روح ولكن، "الكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا" (يو 14:1). وعلي هذا الإيمان تقوم كل العقيدة المسيحية.
ثم يضيف الكاتب من عنده للآية الناقصة "والروح لا يؤكل ويشرب". تناسى الكاتب أن الله اتخذ جسدا بشرياً وأعطانا أن نأكل جسده ونشرب دمه. الكاتب لا يكمِّل الآيات، حتى يثبِّت رأيه الشخصي، فيزيد علي الآية ألفاظا من عنده تتنافى مع المعنى الإنجيلي. يقول السيد المسيح عن الروح القدس "وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه..." (يو 7: 37-39). وكذلك يقول القديس بولس، "وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر وجميعهم أكلوا طعاما واحدا روحيا وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح" (1كو 10: 2-4). القديس بولس يوضِّح أن الشرب الروحي والأكل الروحي له أساس كتابي من العهد القديم، وهو يعني الشرب والأكل من المسيح نفسه حتى في العهد القديم "لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح". ورغم وضوح الكلام بما لا يدع أي مجال للشك، فالكاتب الذي يرفض عقيدة حلول الروح القدس فينا لا يمكنه أن يدرك المعنى الروحي للأكل والشرب من سر الإفخارستيا لذلك يقول "والروح لا يؤكل ويشرب" منافيا لتعاليم
الكتاب المقدس. إن هدا الأسلوب في الحديث يماثل نفس الأسلوب الأريوسي في النقاش، الذي كشفه
القديس أثناسيوس الرسولي مرات كثيرة في كتاباته. فهو لا يستخدم الآية الواحدة فقط بل أيضاً يقتطع أجزاء من الآيات لتخدم أغراضه.
يسترسل الكاتب في حديثه مستنكراُ للسر فيقول، "كذلك فالذي يأكل من الطبيعة الإلهية وتثبت فيه فهو يخرج من التناول إلها يسجد له الذين في الكنيسة." هنا يستخدم عبارة "تثبت فيه" والتي كان قد حذفها من الآية عمداً، وعندما يذكرها يضعها في صورة تهكمية تخل بالمعني خللا مقصوداً يسيء فيه لا إلي الناس بل للكتاب المقدس والمسيح نفسه. السيد المسيح هو الذي استخدم عبارة "ويثبت فيه". فإن كان الكاتب يتهكم على كلمات السيد المسيح فهل هو يؤمن به؟! كذلك عبارة "شركاء الطبيعة الإلهية" فهي عبارة القديس بطرس الرسول، "اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة (2بط 4:1)، هذه العبارة التي يتهكم عليها الكاتب في أكثر من مناسبة _دون أن يوضِّح رأيه_ هي نص كتابي (سنعود لها بالتفصيل في حديث آخر). فالكاتب لا يهاجم كلام الناس بل الكتاب المقدس ونصوص آياته.
هل عندما نأخذ المسيح داخلنا نصير إلهاً ويسجد لنا الناس؟ هل كان الأباء الأوَّل الذين لقِبوا "بحامل الإله، ثيؤوفورس" يتوقعون أن يسجد لهم الناس مثلما يسجدون لله؟ وهل التناول يتم كعمل فردي يقوم به شخص واحد ليسجد له باقي الناس؟ إن سر القربان المقدس هو عمل الكنيسة كلها الذي يوحد الجميع بالمسيح فيصيروا جسداً واحداً وروحاً واحداً، "اجعلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قدساتك ... لكي نكون جسداً واحداً وروحاً واحداً ونجد نصيبا وميراثا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء" (القداس الباسيلي). وأيضا يقول الكتاب "وأما من التصق بالرب فهو روح واحد... أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم" (1كو 6: 17-19) لكن الكاتب الذي يرفض كل الآيات التي تُعلِّم عن حلول الروح القدس، يوجه هجومه ضد آيات الكتاب المقدس في صورة تهكمية، وكأنه يهاجم البشر. إن هذا الأسلوب التهكمي يحمل احتقارا واستخفافا بذكاء القارئ، بل احتقارا للتقليد والكتاب المقدس والتاريخ الكنسي، فالحديث مُوجَّه ليجتذب الشخصيات السطحية التي لم تنل حظا كافيا من المعرفة الدينية أو من المعرفة الروحية بشخص السيد المسيح أو بالكتاب المقدس.
أما عن السجود، فالكنيسة المرشدة بالروح القدس تُعلِّم أنه لا يجوز السجود بعد التناول، إذ يكون الإنسان حاملاً الرب في داخله فلا يجوز له السجود. هذا التقليد يؤكد أننا نأخذ المسيح نفسه في سر الإفخارستيا، الأمر الذي يريد أن ينفيه كاتب المقال. لذلك يمزج هذا التقليد مع كلمات
السيد المسيح ويضعها في عبارة ساخرة، مستخفَّا بتعاليم المسيح، وتقليد الكنيسة وإيمانها المسلَّم مرة للقديسين.
ويضيف الكاتب إلى سخريته بالسر المقدس متسائلاً "ماذا عن الذين يتناولون بدون استحقاق؟ هل يأكلون اللاهوت ويشربون اللاهوت؟ ويأكلون أيضاً دينونة لأنفسهم في نفس الوقت” (1كو 29:11)؟!" وهنا يتعرض الكاتب
لتعليم القديس بولس الرسول عن سر الإفخارستيا. يقول القديس بولس في رسالته الأولى إلي كورونثوس.
"لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزا. وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم اصنعوا هذا لذكري. كذلك الكأس أيضا بعدما تعشوا قائلا هذه الكأس هي
العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري. فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز و شربتم هذه الكأس تخبِّرون بموت الرب إلى أن يجيء. إذا أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه... لان الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل و يشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب" (1كو 11 23-29).
القديس بولس الرسول هنا يسلِّم للكنيسة ما تسلَّمَه من الرب بصفة شخصية، الأمر الذي يستلزم الخشوع والرهبة لمن له الحس الروحي. هنا يؤكد القديس بولس على كلمات الرب يسوع السريَّة، بصورة تُبَدِد أي شك في مفهوم السر وأسلوب ممارسته، وذلك بعد قيامة المسيح بما يزيد عن خمسة وعشرين عاماُ. لقد بدأت الكنيسة تمارس سر الشركة وكسر الخبز من بعد حلول الروح القدس مباشرة كمصدر للحياة في المسيح. "فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس. وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات" (أع 2: 41-42). وبقدر عِظَم هذه النعمة وقوَّتها، بقدر عِظَم الدينونة لمن يستهين بعطية الله العظمى. هذا ما أراد القديس بولس أن يلفت إليه الأنظار في حديثه الواضح. فيصف من يستهين بالسر بالجُرم.
هل ممكن أن نتصور أن كلمات القديس بولس المهيبة تستخدم بهذه السخرية. وهل ممكن أن نستنتج من كلمات القديس بولس ما يعنيه الكاتب من تعاليم غريبة، بعيدة عن أي شعور بالتقوى ومخافة الرب. لقد اختلف مارتن لوثر مع المعتقد الكاثوليكي. فقد كان الكاثوليك يعتقدون أن هناك تحول كيماوي وعضوي يتم في مادة السر فيصير الخبز لحماً والخمر دما وهذا ما يُعرَف لاهوتيا "بالاستحالة الجوهرية" “Transubstantiation” لكن مارتن لوثر كان يرى أن حلول الروح القدس لا يغير المادة بل يضيف إليها قوة روحية تحمل سر جسد الرب ودمه وهذا ما أسماه “Consubstantiation”. في كل مناقشات مارتن لوثر اللاهوتية لا يجد القارئ أي أثر للاستخفاف أو التهكم على عقيدة سر الإفخارستبا بل كلاماً وقوراً يحمل كل تقديس للسر، ومهابة لعمل وحلول الروح القدس في الخبز والخمر، ومع ذلك نحن نآخِذ لوثر علي بعض تعبيراته التي قد ينقصها الدقة اللاهوتية. أما كاتب (اللاهوت المقارن) الذي يُصَرِّح بأنه لا يؤمن بحلول الروح القدس، لا يجد أي غضاضة في استخدام أسلوب التهكم والسخرية من العقائد الأرثودكسية الثابتة، التي أقرها
آباء الكنيسة ومعلموها. إن رفض الإيمان بحلول الروح القدس يُعتبر الأساس لكل انحراف في العقيدة، وهو المصدر لجميع الانحرافات التي ظهرت في التاريخ ضد لاهوت المسيح. فكيف لمن ينكر حلول الروح القدس أن يؤمن بسر الإفخارستيا أو بأي سر آخر من أسرار الكنيسة.
إن هذه الخواطر المستهزئة بالإلهيات لا تتوافق إلا مع أفكار الشيخ الشعراوي الذي أراد أن يُسًخِف ويستهزئ بالعقيدة المسيحية، فيقول في تهكم "أن المسيحيين يأكلون إلههم". كما يُذكِّرنا هذا الحديث بحوار القمص مرقص سرجيوس المضاد للشيخ الطنيخي والعجيب هنا أن مجلة الكرازة الغراء تأخذ موقف الشيخ الطنيخي وليس موقف القمص سرجيوس.
الكاتب الذي اعتاد أن يهاجم العقيدة الأرثوذكسية في هذا الباب من مجلة الكرازة بطريقة السؤال التهكمي لا يعطي إجابة لاهوتية واضحة لتساؤلاته، لكنه يشكك الناس في عقيدتهم وفي نصوص الكتاب المقدس، ثم يهرب من الإجابة على أسئلته الاستنكارية، حتى لا يُفصِح عن أفكاره التي تتنافى مع الإيمان بالمسيح. وبذلك فهو يخاطب العقل البسيط غير المتعمق في الأمور اللاهوتية، ليشككه في الإيمان دون أن يصرَّح بآرائه المخالفة للإيمان، "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله، فقالت للمرأة أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟" إنه يستخدم عبارات برَّاقة، ذات تأثير نفسي سريع، يخاطب بها النفس العاطفية التي ليس لها دراية كافية بالكتاب المقدس ولا بالإيمان المسلم مرة للقديسين، الذي تسلمته الكنيسة وسلمته لأجيال كثيرة عبر ألفين من السنيين.
الأمر جد خطير ولا يحتمل أي تهاون من كل أعضاء الكنيسة شعبا وإكليروس. إن العدو النشط في هذه الأيام لا يكتفي بشن هجمات الاضطهاد علي الكنيسة من خارج، بل في نفس الوقت يثخن الكنيسة من داخل بجراحات الانقسام المدمر. ففي غفلة الانشغال والخوف من العدو الخارجي يمكن العبث بإيمان الكنيسة التي حافظت عليه بدماء الشهداء عبر ألفين من السنين. لقد تسلَّم هذا الجيل إيمان الكنيسة الواحدة سليما مغموسا بدم الشهداء. وعليه أن يسلم نفس الإيمان المستقيم لجيل جديد، محفوظاً من كل عبث بأي ثمن.
أني أهيب بكل الإكليروس أساقفة وكهنة وشمامسة ألا يتخاذلوا ويتخلوا عن مسئوليتهم أمام الله لأي سبب وتحت أي ظروف، فيتركوا إيمان الكنيسة المستقيم للعبث. الكاهن الذي يقف أمام الله في كل قداس مقرا باعترافه إلي النفس الأخير، عليه أن يلتزم باعترافه، فيعلن رفضه للانحراف، متشبّها بمن اعترف الاعتراف الحسن. إنني أناشد كل من له حكمة الروح ومعرفة الله بالحق أن يجند نفسه تحت يد الله لدرء أسباب الانقسام الذي يزرعه المبتدعون في الكنيسة. يا كاهن الله أنظر دعوتك، هل هي من الله أم من الناس؟ إن كانت من الناس فأنت لا تستطيع أن ترضي الله، ولا تستطيع أن تردد كلمات القداس الإلهي النارِية التي تتعارض مع تعاليم مجلة الكرازة. إن ترديد كلمات القداس بدون إيمان لترضي مهام الوظيفة لن يرضي الله، بل تكسب لنفسك دينونة أبدية. أما إن كانت دعوتك من الله فاعمل يحق الإيمان الذي تردده في اعترافك أمام الله إلي النفس الأخير.
إني أهيب بكل راهب وناسك ومتوحد، أن يخرج من منسكه، مقتدياً بما فعله القديس أنطونيوس عندما ترك البرية وذهب إلى الإسكندرية ليعضد القديس ِأثاناسيوس، في كفاحه ضد
الأريوسية. نحن اليوم نواجه حرباً خطرة ضد المعتقد الأرثوذكسي. فعلينا إذاً أن نقف معاً وقفة واحدة صامدة ضد البدع الجديدة، حتى لا نحسب مرفوضين من حق المسيح وحق الإنجيل.
إني أهيب بكل الشعب عن بكرة أبيه ألا يتهاون في إيمان الكنيسة المسلَّم لنا بدماء الشهداء. فيعلنوا رفض كل انحراف عن الإيمان المسلم مرة للقديسين. إن المبتدعين اليوم يحتكرون المعرفة ويجهِّلُون الشعب لذلك يخفون التعليم الصحيح والمعرفة الحقيقية. إنهم ينشرون تعليمهم الغاش وفكرهم المحالف الذي يستشري في أعماق الكنيسة بالتدريج دون مقاومة. إن الحق لا يمكن أن يختفي لكل من يريده، ولكل من يبحث عن الله بصدق من كل القلب. "لا يضلكم أحد"، "بل قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف (الله)" (1بط 15:3). اليوم، ما أسهل الحصول على تعليم الكنيسة السليم... تعاليم القديس أثناسيوس والقديس كيرلس، من شبكات الإنترنيت التي تغطي العالم. بل ما أسهل أن نتعرَّف على الحق من الله نفسه ومن الكتاب المقدس لكل من يطلب الرب ببساطة قلب وصدق الروح. ليتنا نصغي إلي كلمات القديس بولس:
"وأطلب إليكم أيها الاخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافاً للتعليم الذي تعلمتموه واعرضوا عنهم. لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء." (رو 16: 17-18).
"انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا. وأنتم مملوؤون فيه الذي هو رأس كل رياسة وسلطان." (كو 8:2).
"لكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضا إن كان أحد يبشركم في غير ما قبلتم فليكن أناثيما" (غل 1: 8-9).
"إن كان أحد يُعلِم تعليما آخر ولا يوافق كلمات ربنا
يسوع المسيح الصحيحة والتعليم الذي هو حسب التقوى فقد تصلف وهو لا يفهم شيئا بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام التي منها يحصل الحسد والخصام والافتراء والظنون الردية، ومنازعات أناس فاسدي الذهن وعادمي الحق يظنون أن التقوى تجارة، تجنب مثل هؤلاء. وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة، لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء" (1تي 6: 3-7).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق