إن الجزء الثاني من مبدأ الكفارة المسيحية هي أن عدالة الله تتطلب ثمنا يدفع عن الخطيئة الأصلية وعن خطايا الإنسان الأخرى ، فإذا غفر الله لخاطئ دون قصاص فإنه يكون قد دحض عدالته .
وإن القس جولدساك يكتب في هذا الخصوص فيقول :
( لابد أن يكون واضحا وضوح الشمس في ضحاها لأي إنسان بأن الله لا يمكن أن يغفر لخاطئ دون أن يمنحه أولا قصاصا مناسبا . ذلك لأنه إذا فعل ذلك من الذي يدعوه عادلا ومنصف )
عزيزي المتصفح :
إن وجهة النظر هذه تكشف عن جهالة مطبقة عن طبيعة الله . فإن الله ليس بمجرد قاض أو حاكم . إنه إله رحيم وغفور وودود . فإذا وجد الله بعضاً من الحسنات الصادقة في الانسان أو رأى أنه تائب توبة نصوح ومتأهب بحوافز وعزيمة حقيقية ليقهر الشر في داخله ، فحينئذ يغفر الله له كافة سقطاته وخطاياه معاً .
إن إلهاً تتطلب عدالته معاوضةً لكل سقطة وخطيئة من الإنسـان ليس بأفضـل مـن شـيلوك ( اليهودي الجشع ) .
إن الله الذي نعبده الذي هو خالق كل العالمين هو إله الحب والرحمة . فإذا فرض قانوناً وطريقاً ويطلب الطاعة ، فليس هذا لمنفعته الشخصية ولكن لفائدة الجنس البشري . وإذا عاقب إنساناً من أجل سقطاته وخطاياه فليس هذا لمرضاته أو للمعاوضة كما تنادي بذلك العقيدة المسيحية ، ولكن لكبح الشر وتطهير المذنب .
إن جهنم تشبه في ذاتها مستشفى ، حيث المرضى النفسانيون المهمومون بأسقام الحقد والضغينة والحزازات والأنانية ، والكآبة، والنفاق ، والفسق ، والشراهة ، والدنس ، والكبرياء .. الخ فهؤلاء سيشفون خلال معاناتهم وندامتهم في النار . ولكن أولئك الذين يستطيعون المثابرة والتحريض على فعل الخير ويتوبون توبة خالصة سيجدون الله دائما متأهبا ليغفر لهم سقوطهم وخطاياهم دون مطالبتهم بالتعويض ولا مطالبة غيرهم بهم . أليس هذا ما أذاعه حزقيال وأعلنه في الكتاب المقدس : [ حزقيال 18 : 1 – 9 ، 19 – 23 ] .
وأيضا أليس هذا ما علم به يسوع حيث جاء بإنجيل لوقا الإصحاح الخامس عشر : (( وَكَانَ جَمِيعُ جُبَاةِ الضَّرَائِبِ وَالْخَاطِئِينَ يَتَقَدَّمُونَ إِلَيْهِ لِيَسْمَعُوهُ. فَتَذَمَّرَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْكَتَبَةُ قَائِلِينَ : هَذَا الإِنْسَانُ يُرَحِّبُ بِالْخَاطِئِينَ وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ ! ))[ لوقا 15 : 1 ، 2 ] .
وقد ضرب المسيح لهم مثل الخروف قائلاً لهم : (( افْرَحُوا مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ خَرُوفِي الضَّائِعَ ! أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ فِي السَّمَاءِ فَرَحٌ بِخَاطِيءٍ وَاحِدٍ تَائِبٍ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ! )) [ لوقا 15 : 4 – 7 ] .
ثم ضرب لهم مثل الدراهم الضائعة وقال : (( أَيَّةُ امْرَأَةٍ عِنْدَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، إِذَا أَضَاعَتْ دِرْهَماً وَاحِداً، أَلاَ تُشْعِلُ مِصْبَاحاً وَتَكْنُسُ الْبَيْتَ وَتَبْحَثُ بِانْتِبَاهٍ حَتَّى تَجِدَهُ؟ وَبَعْدَ أَنْ تَجِدَهُ، تَدْعُو الصَّدِيقَاتِ وَالْجَارَاتِ قَائِلَةً: افْرَحْنَ مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ الدِّرْهَمَ الَّذِي أَضَعْتُهُ. أَقُولُ لَكُمْ: هَكَذَا يَكُونُ بَيْنَ مَلائِكَةِ اللهِ فَرَحٌ بِخَاطِيءٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ. )) [ لوقا 15 : 8 – 10 ]
أنستطيع أن نتتبع منشأ العقيدة بأنه إذا لم تعوض أي خطيئة بالقصاص من شخص ما فهذا يكون انتهاك لعدالة الله !
أليس يسوع هو الذي علمنا أن نصلي إلى الله قائلين : (( وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا ! )) [ متى 6 : 12 ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق