إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 17 أبريل 2014

شيفرة دافنشي رواية قنبلة

ديمة عبد الجابر

لابد أن الرواية بجرأتها تكشف عن الكثير من التناقض الذي بدأ مثقفو المسيحية يشعرون به وفسرته رواية
شيفرة دافنشي. وما النتائج التي وصل إليها براون عن هذا العصر إلا دعوات وجهها القرآن الكريم منذ قرون خلت إلى أهل الكتاب النصارى واليهود: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى" مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم (المائدة: 171)  'في واحدة من نشرات أخبار محطة ال BBC التي عرضت ظهر يوم الجمعة الموافق 18 مارس 2005، قالت معدة التقرير إن الفاتيكان المدينة والسياسة والسلطة الدينية صارت محط شكوك الجميع بسبب روايات دان براون



 وأشارت معدة التقرير إلى أن السرية التي تحيط بكثير من شؤون هذه الدولة، وبعد أن كانت محل احترام المسيحيين، لم تعد تروق لهم، خاصة بعد روايتي دان براون الأخيرة شيفرة دافنشي وملائكة وشياطين Angels and Deamons. فكلتا الروايتين تكشف عن تاريخ للمسيحية مثير للجدل لا ترغب الفاتيكان في وجوده وتسعى إلى إخفائه. صور التقرير سياحاً قصدوا إيطاليا وروما والفاتيكان بالتحديد كي يزوروا أماكن بعينها ذكرها براون في روايته الثانية (ملائكة وشياطين). السواح كانوا يحملون الكتب الدينية المسيحية جنباً إلى جنب مع الرواية التي وصفت، تماماً كما وصفت قبلها رواية شيفرة دافنشي، بأنها Blockbuster Book أي (كتاب قنبلة).

كنت من بين كثيرين سمعوا عن الرواية الأكثر رواجاً في الوقت الحالي لدان براون وهي رواية شيفرة دافنشي. والأمر الذي جعلني أهتم بقراءتها أكثر هو كونها مُنعت من التداول في لبنان مع توافرها في مكتبات دول عربية أخرى. تدور أحداث هذه الرواية في فرنسا وبريطانيا وتبدأ بمقتل جاك سونيير، أحد الباحثين الكبار في متحف اللوفر بباريس، والحارس الأخير للسر الأعظم (ال Holy Grail ) أو الدم المقدس. سونيير يترك على جسده وعلى لوحة الموناليزا لدافنشي رموزاً تقود حفيدته صوفيَ الخبيرة في شؤون الرموز الدينية والتاريخية، وأستاذ الرموز الدينية في جامعة هارفارد روبيرت لاندون إلى مكان ال Holy Grail. يمر لاندون وصوفي بصعوبات عديدة ويتعرضون لملاحقة منظمة دينية كاثوليكية مشهورة بتطرفها الديني كما يشير براون تعرف باسم ال Opus Dei، كما يتعرضان لملاحقة الشرطة الفرنسية التي تشك في كونهما المتهمين الأساسيان بمقتل سونيير.

يستطيع كل من لاندون وصوفي الهروب من كل الملاحقات ويمران أثناء ذلك بعمليات معقدة من فك رموز رسومية وحرفية وحسابية متروكة لهما من قبل سونيير لتدلهما على مكان الدم المقدس أو ال Holy Grail (وفي سياق بحثهم) وبفك الطلاسم والرموز رمزاً رمزاً، وبحبكة فيها الكثير من العبقرية، تحملنا الرواية إلى أماكن تاريخية شهيرة كمتحف اللوفر الذي تحدث به جريمة القتل، وإلى هيكل سليمان وإلى المقبرة الشهيرة في بريطانيا Westminster Abbey وكذلك إلى كنيسةRosemarie .
يظن القارئ للوهلة الأولى أن الدم المقدس موجود في الكنيسة تحت رمز النجمة السداسية (المنقوش داخلها)، ولكنه في نهاية الرواية يكتشف أن هذا الدم موجود في حديقة في متحف اللوفر في منطقة يتقابل فيها هرمان معكوسان "مبنيان تحت بعضهما البعض". (لو دمج الهرمان لرسما النجمة السداسية مرة أخرى).
في الرواية، الكثير من المادة العلمية التاريخية والدينية التي تفيد الباحث في مجال الأديان. فالكاتب في مقدمة روايته يؤكد أن كل ما يسرده بالغ الدقة والمصداقية. وهو لذلك يسمي الأحداث والمنظمات بأسمائها الحقيقية، ويؤرخ للأحداث التاريخية بدقة بالغة.

وربما كان تاريخ المسيحية كما يسرده دان براون هو الأكثر أهمية بالنسبة لنا، فهو الذي أثار حفيظة الفاتيكان ضد ما يكتب براون الذي يبطل في روايته مزاعم تسعى الكنيسة إلى أن تثبتها بشتى الطرق حتى لو خالفت في إثباتها الدين والمنطق والتاريخ والعلمية. حيث يؤكد براون بالأدلة التاريخية التي يسردها أبطال روايته: أن المسيحية التي يعتنقها مسيحيو اليوم ليست إلا نسخة محدثة عن الوثنية paganism وأن المسيحية كدين رباني حرفت تماماً بعد وفاة ( رفع المسيح)  عليه السلام، وأن للكنيسة "تاريخاً مليئاً بالخداع والعنف" (والكلام لبراون في الفصل 128 من الرواية).

وفيما يلي سأتناول جوانب من رواية (شيفرة دافنشي) تتعلق بتاريخ المسيحية، وقبل أن أسترسل في الرواية أجد أنه منطقياً جداً أن أطرح سؤالين: أولهما عن السبب وراء التغييب الإعلامي لهذه الرواية التي صدرت عام 2003 على الرغم من غناها التاريخي الديني، والآخر يستغرب صمت الفاتيكان عن الرد عما جاء في الرواية رغم ما أثارته وتثيره ضده المسيحية بشكل عام، والفاتيكان بالتحديد.
سأركز هنا على الفصل الخامس والخمسين من رواية "شيفرة دافنشي" لأن فيه خلاصة تاريخية للكيفية التي أدت إلى تزييف المسيحية. يناقش هذا الفصل بدقة تاريخ المسيحية بناءً على محاور ثلاثة يتناولها كل من: تيبينج المؤرخ البريطاني ولاندون وصوفي، أبطال الرواية. هذه المحاور هي: الأصول الوثنية للمسيحية، ومدى أصالة الإنجيل الذي يقرؤه المسيحيون اليوم، وكيف صيرت المسيحية عيسى عليه السلام إلهاً.
أعود وأؤكد أن كل ما سيجده القارئ في هذا المقال هو تقارير تاريخية وخلاصات لدان براون تتوافق مع القرآن الكريم ومع ما ورد في مراجع أساسية مثل The American Heritage Dictionary وكذلك Encyclopedia Britannica..
فالمسيحية اليوم كما يقول براون، هي في الأصل من صناعة الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي حكم روما الوثنية في الفترة ما بين 285 337 للميلاد أي بعد وفاة عيسى عليه السلام بحوالي الثلاثمائة سنة . قسطنطين الميكيافيللي أراد أن يتزعم بقعة أكبر من العالم الذي بدأ يعتنق المسيحية، فقام أولاً بإعادة صياغة الكثير من رموز الديانة الوثنية التي يدين بها شعب روما في تلك الفترة بحيث تتلاءم والمسيحية التي بدأت تفرض نفسها، فعلى سبيل المثال وحتى يرضي الرومان باعتناق المسيحية، جعل قسطنطين يوم الأحد يوما مقدساً. وكما نعرف أن الأحد باللاتينية يسمى ال Sunday أي يوم الشمس، والرومان الوثنيون قدسوا الشمس واتخذوها إلها. وعلى يدي الوثني قسطنطين صار الإله الأقدس عند الوثنيين الرومان اليوم الأقدس عند المسيحيين، وقياساً على هذا (التوثين) فإن صورة مريم العذراء وهي ترضع ابنها عيسى عليه السلام ما هي إلا استنساخ لصورة الإلهة الرومانية إيزيس Isis وهي ترضع ابنها حورس Horus. ومرة أخرى الكلام لبراون.
وبكثير من الدقة التاريخية الموسوعوية التي لا يتسع المجال للحديث عنها هنا، يعرض براون الأصول الوثنية لرموز المسيحية واحداً تلو الآخر، مبطلاً الصبغة الإلهية السماوية لمسيحية اليوم، ومؤكداً التحريف الذي طال المسيحية بعد وفاة المسيح عيسى عليه السلام.
أما المحور الآخر فيتعلق بكون الإنجيل بنصه الحالي لم يأت "بفاكس من السماء" كما يقول براون وأنه ليس كلمة الله التي أنزلها على عيسى عليه السلام، وإنما كتاب صاغه الإمبراطور الوثني قسطنطين بمعاونة بعض رجال الدين ليروج لفكرة جديدة ابتكرها قسطنطين ذاته وهي "تأليه المسيح".
يقول تيبينج في الفصل 55 أيضاً إن الإمبراطور قسطنطين قام بطرح فكرة تأليه المسيح عام 325 في المجلس المسكوني The Council of Nicaea - حيث إن المسيح قبل هذا التاريخ كان ينظر إليه كنبي من البشر، وشخص عظيم ذي معجزات ولم يكن ينظر إليه كإله أبداً.
ويضيف براون أن قسطنطين ألّه المسيح بعد أن صوت الرهبان لصالح هذه الفكرة التي، وكما حصل فيما بعد، والكلام لا يزال لبراون استغلت صورة الإله البشر لتفرض سلطة الكنيسة المطلقة على الوثنيين وعلى المسيحيين على حد سواء فيصبح التفكير في أمر الدين أمراً أكثر صعوبة على الشخص العادي: فالصورة القسطنطينية الوثنية الجديدة للمسيح تجعل منه إلهاً.. ليس للبشر أن يفهموه ويصلوا إليه دون وصاية رجال الكنيسة. ويشير براون إلى أن المسيحيين المتنورين يعرفون هذه الحقيقة عن دينهم وعن نبيهم.
ثم يؤكد براون أن قسطنطين الكبير قام بحرق نسخ الإنجيل التي كانت موجودة والتي كانت تصور عيسى عليه السلام كنبي بشر، وقام بكتابة أناجيل جديدة تحوي فكرة النبي الإله أو ابن الله. وكان أي شخص يمتلك أو يؤمن بإنجيل غير الذي وضع في المجلس المسكوني في نظر الكنيسة زنديقاً تنزل به عقوبة الموت حرقاً.
هذا ويشير براون إلى الوثائق القبطية التي وجدت في نجع حمادي في مصر عام 1945 والتي تحكي عن المسيح عليه السلام كبشر وكيف أن هذه الوثائق حوربت من قبل الفاتيكان كي تبقى هذه الحقيقة مغيبة.

لا يكتفي براون بالتهجم على ماضي الكنيسة بل يصل إلى حاضرتها (الفاتيكان) ويحكي عن قصتها مع الجماعة الدينية المتطرفة التي كانت تحت رعاية البابا سابقاً وتعرف بال Opus Die، ويشرح للقارئ كيف أن الفاتيكان قدم لهذه الجماعة مبلغ 200 مليون يورو قبل أن يفصلها عنه، بعد أن صار تطرفها يثير استياء البابا. ال Opus Die لا تزال تمارس نشاطها حتى اليوم.
وإذا كانت المسيحية بشكلها الوثني هي البطل السلبي أو ال Antagonist في الرواية، فإن عصبة Priory of Sion هي البطل الحقيقي أو ال Protagonist لشيفرة دافنشي إذ يصورها براون في صراعها مع الكنيسة بشكلها الوثني، على أنها الحامي التاريخي للمسيحية الحقة.
تنفي Priory of Sion ألوهية المسيح عليه السلام التي فرضها قسطنطين وتؤكد صفته البشرية. ولكنها تثبت هذه الصفة بالطريقة التي تتناسب مع تقديس هذه الجماعة للأنثى الجنس الذي اضطهدته الكنيسة فتزعم أن المسيح عليه السلام تزوج من مريم المجدلية Mary Magdalene، وأنجب منها أبناء يمتد نسلهم إلى عصرنا الحالي يجري في عروقهم الدم المقدس، دم عيسى عليه السلام ومريم المجدلية كما زعموا طبعاً وعليه تمجد هذه الجماعة المرأة وتعتبر الأنثى محركاً إلهياً للكون. وهي تسمي مريم المجدلية ال Holy Grail أي الوعاء المقدس الذي حوى دم المسيح عليه السلام.
ما سيدهش القارئ عن هذه الجماعة التي تحتفظ وحدها برفات مريم المجدلية حاملة الدم المقدس، ارتباطها برموز اليهودية والصهيونية، فما النجمة السداسية والهرمان المتقابلان في متحف اللوفر إلا إشارة لتلك الرموز الدينية، وما اسم الجماعة Sion إلا الأصل الذي ينتج عنه اسم الحركة Zionism، ووحدها هذه الجماعة تحتاج لكثير من الدراسة.
لابد أن الرواية بجرأتها تكشف عن الكثير من التناقض الذي بدأ مثقفو المسيحية يشعرون به وفسرته رواية شيفرة دافنشي. وما النتائج التي وصل إليها براون عن هذا العصر إلا دعوات وجهها القرآن الكريم منذ قرون خلت إلى أهل الكتاب النصارى واليهود: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى" مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم (المائدة: 171).
ديمة عبد الجابر

المراجع
كل المراجع هي لرواية شيفرة دافنشي، الطبعة الإنجليزية:
Brown, Dan. The Da Vinci Code. New York Doubleday, 2003
الرجوع الى قسم العقيدة المسيحية
"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق