إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

شبهتان متجددتان لأهل الكتاب..ذكر المسيح عليه السلام بالروح والكلمة, والزعم بخصوصية العرب بالرسالة الإسلامية.


الجزء الرابع من كشف الشبهات الملقاة على الإسلام

شبهتان متجددتان لأهل الكتاب..ذكر المسيح عليه السلام بالروح والكلمة, والزعم بخصوصية العرب بالرسالة الإسلامية.

    الحمد لله الحق المبين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

    فقد قال تعالى: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" [الأنبياء: 18]، وقال جل شأنه: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" [الإسراء: 81]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه" متفق عليه.

    لا غرو أن دينًا كالإسلام يغار منه ويغير عليه المتعصبون للديانات المخالفة له، ويحاولون بشتى الطرق وكافة الوسائل طمس حقائقه وتثبيط عزائم أهله، ورد من استطاعوا من الباحثين عن الحقيقة عن حياضه والنهل من معينة الصافي النمير. وهذا شأن أعداء الرسل في كل زمن، وعلى كلٍّ فالمستقبل لهذا الدين والنصر في الدارين لأهله فهم الغالبون بالحجة واللسان دومًا وإن امتحنوا أحيانًا بغلبتهم بالسيف والسنان, ولكن الحق لا يضمحل ولابد في كل زمان من طائفة ظاهرة بالحق على الخلق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، ولا تـخلو الأرض من قائم لله بحجة.

    وهنا وقفتان لكشف شبهتين للمخالفين له المعادين لحملته، التي ألقوها على ناصع بياض الإسلام ووهج ضيائه، مع ردها وكشفها ودحضها بحول الله وقوته ومشيئته:

    1ــ القول بأن القرآن الكريم قد ذكر المسيح عليه السلام بلفظ الكلمة والروح، والادعاء بأن هذا إقرار لدين مؤلهة المسيح والقائلين بالتثليث.

    والجواب: أن المضاف إلى الله تعالى قسمان:

    الأول: إضافة صفة؛ كقوله تعالى: "ولا يحيطون بشيء من علمه" [البقرة: 255]، "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" [الذاريات: 58]، "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً" [الأنعام: 115] فهذه المضافات إلى الله تعالى كالعلم والقوة والكلام هي صفات قائمة به تعالى وليست مخلوقة له بائنة عنه:

    الثاني: إضافة عين؛ كقوله تعالى: "وطهر بيتي للطائفين" [الحج: 26] "ناقة الله وسقياها" [الشمس: 13]، "عيناً يشرب بها عباد الله" [الإنسان: 6].

    وهذه المضافات: البيت والناقة والعباد هي مخلوقة لله تعالى بائنة عنه، لكنها نسبت إليه نسبة تشريف وتفضيل لها على سائر أجناسها المخلوقة لمزيد فضل فيها، كتـخصيص بيته بمكة من بين بيوته ــ المساجد ــ وتـخصيص ناقة نبيه صالح عليه السلام من بين النوق، وكتـخصيص عباده الصالحين من بين العباد، ومن هذا الباب وصف المسيح عليه السلام بأنه روح الله وكلمته، فهو قد خُلِقَ بكلمة (كن) وليس هو الكلمة، وكلمات الله لا تعد ولا تحصى، كذلك ليس هو الموصوف وحده بالروح بل جبريل وغيره كذلك([1])، ومن تأمل الآيات في وصف المسيح عليه السلام ظهر له هذا بأدنى نظر، فالله تعالى يقول مجليًا لحاله وكاشفًا لشبهة المؤلهة: "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدّيقه كانا يأكلان الطعام" [المائدة: 75] فهذا نص على بشريته التامة وطبيعته الآدمية بكل تفاصيلها ومحاملها، وقال تعالى: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" [النساء: 171] ولاحظ التأكيد على وصفه بالرسالة وهي أعظم شرف إنساني، وقال تعالى: "وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" [المائدة: 72] فخصم المؤلهة والمثلثة هو المسيح نفسه، وتأمل تنصيص المسيح عليه السلام على خطورة الشرك والتحذير منه وأنه باب الهلاك، وقال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" [المائدة: 73] وفي هذا إبطال التثليث من أُسِّه، وقال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" [المائدة: 17] وفي هذا إبطال التأليه للمسيح، وقال تعالى مجردًا المسيح وجميع الخلق من القدرة إذا أراد بهم شيئًا: "قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً" [المائدة: 17].

    الخلاصة: أن ما أضيف إلى الله تعالى إما أن يكون صفة من صفاته كالعلم والقدرة والخلق، وإما أن يكون من إضافة الأعيان، فالخلق كلهم يضافون إلى الله من هذه الحيثية، لكن تـخصيص بعضهم يدل على مزية شرف وفضل له عليهم([2]).

    2ــ الزعم بخصوص العرب بالإسلام دون غيرهم.

    وكشف ذلك بمقدمتين:

    الأولى: أن إثبات نبوته فرع عن إثبات صدقه، فالأنبياء لا يكذبون أبدًا، وهم معصومون عن الخطأ والكذب في البلاغ.

    الثانية: إذا ثبتت نبوته وصدقه فقد ثبت كذلك عموم رسالته، فقد صدق في قوله: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة" رواه البخاري، وقال تعالى مبينًا ذلك: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" [الأعراف: 158]، وقال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً" [الفرقان: 1].

    لذا فتكذيبه في خبره إبطال لنبوته وكلاهما ممتنع([3])، ومن صدقه في بعض وكذبه في بعض فقد كفر به جملة، ولا يستطيع أحد إثبات نبوة أحد من الأنبياء إلا بعد إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأن دلائل نبوته أعظم وأكثر جنسًا وعددًا، والله تعالى يقول في شأن كل من يجادل في آياته: "إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير" [غافر: 56]، والتوراة قد بشرت بعموم رسالته حتى بني إسرائيل "أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم..." (تثنية 18: 17ــ 21)، ففي كلمة (لهم) تصريح بدخولهم تحت دعوته ورسالته، كذلك المسيحيين بل جميع أمم الأرض ممن يعقل. والله الموفق والهادي.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.

إبراهيم الدميجي

25/ 3/ 1434

@aldumaiji

http://aldumaiji.blogspot.com/

........................

([1]) انظر: الجواب الصحيح (2/ 155ــ 162).

([2]) وقد تتبع الشيخ رحمة الله الهندي الشبه المثارة على القرآن الكريم والسنة النبوية وفنّدها في الجزء الثاني من كتابه القيّم: إظهار الحق، كذلك فهناك كثير من الكتب المعاصرة التي عنيت بذلك مثل: رد شبهات النصارى، د. وديع أحمد، وشبهات حول الإسلام، محمد قطب، وغيرها.

([3]) الجواب الصحيح (1/ 125).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق