إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 18 يناير 2013

"الرد على الزعم بأن الإسلام هضم حقوق المرأة، كالحجاب والميراث والدية وتعدد الزوجات"

الجزء الثاني من حلقات كشف الشُّبه عن الإسلام
"الرد على الزعم بأن الإسلام هضم حقوق المرأة، كالحجاب والميراث والدية وتعدد الزوجات"
    الحمد لله رب العالمين, وإله الأولين والآخرين, وصلى الله وسلم وبارك على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
   فمن قرأ التاريخ، واستقرأ حال المرأة منذ فجر التاريخ المكتوب منذ أن عُرفت الكتابة المسمارية السومرية إلى يومنا هذا، مرورًا بالمرأة اليهودية والنصرانية والعلمانية والملحدة والليبرالية، فلن يتردد إن كان منصفًا خبيرًا في الحكم بأن القرآن الكريم بشريعته الإسلامية وتطبيقاتها المحمدية هو أعظم من حفظ للمرأة حقوقها واحترم كرامتها وأكسبها إنسانيتها, فالقرآن أعظم وأنصف وأعدل وأحسن وثيقة صانت حقوق الإنسان والحيوان بل والجماد.
"كرامة المرأة"
    فهل نذكر كيف كان حال المرأة حين كانت تُعَدّ مثل الحيوانات والبهائم في بلاد ما بين النهرين وما وراء النهرين وأوروبا؟! أم كيف كانت تُدفن حية عند ولادتها عند مشركي العرب؟! أم كيف كان اليونان ــ قدوات أوروبا ــ يقتلون المرأة التي تلد ولدًا ناقصًا؟ أم كيف كان الهنود والصينيون يبيعون المرأة في سوق الحلي ولو كانت البنت والأخت؟! أم كيف ينظر لها اليهود بكونها كائن نجس معدٍ لا يُمس ولا يجلس معه تحت سقف واحد حال طمثها؟! أم كيف كانت محرومة  عند النصارى من مجرد دخول دور العبادة لرجسيتها واحتقارها؟! بل قال النصارى: إنها جسد بلا روح، وأن مصير كل النساء جهنم عدا مريم([1])!
    وقد ازداد انهيار حقوقها مع الزمان حتى عدمت تمامًا بحيث أن القانون الأوروبي كان يبيح للزوج بيع زوجته مع جملة حيواناته!
    ثم تغيّرت بعض تلك الأمور منذ القرنين الماضيين، ولا زالت رواسبها في عقل الرجل الأوروبي وذاكرته الجمعية ــ عمليًا ــ الذي يرى المرأة مجرد كائن لإشباع غريزة الرجل والترفيه عنه، فأخرجوها من بيتها الدافئ الهانئ، من بين أطفالها وصغارها إلى ميدان الأعمال الشاقة والمصانع والجيوش, لتزاحم الرجال وبدون مساواة في الأجرة معهم ــ عند الكثير ــ ولا يسلم عرضها من ابتزاز وانتهاك بالترغيب تارة وبالترهيب تارات، فهي في نظرهم غنيمة سهلة ومستودع لإفراغ الشهوات المريضة، فتعود المسكينة إلى بيتها محطمة المشاعر، منهكة القوى، مقتولة الأحاسيس، لا تجد لنفسها بقية لزوجها المسكين، ولا أطفالها البؤساء.
    ويثبت ذلك بأدنى مطالعة لتقارير الجرائم وسجلات الانتهاكات من التحرش والاغتصاب والقتل والابتزاز، ناهيك عن الإذلال النفسي والإهانات الجسدية في تلك الدول التي تزعم احترام المرأة ورد الحقوق المسلوبة إليها بشعارات براقة، ودعايات ماكرة، ولكن بتشريعات ذات مآلات مخادعة مزرية، تنبئك عن حال القوم وتغريرهم بسذاجتها أو حاجتها. وقد كانت هذه الغيرة على الأعراض في أوروبا مما تميز به المسلمون، ومن أمثال الفرنسيين الدارجة: "فلان يغار مثل الأتراك" أي المسلمين.
    فالإسلام فقد جاء بنظرة شمولية متكاملة، فراعى مصالح الجميع، ووزع المهام الحياتية عليهم كلٌّ على وفق ما خلق ويسر له، فالرجل بقوته الجسدية والنفسية، وصبره وجلده له ميدانه وعمله، والمرأة بحنانها وعاطفتها واحتمالها للصغار وصبرها عليهم لها ميدانها. فالرجل والمرأة في الإسلام كالمجدافين للقارب، لا تقوم الأسرة إلا بهما معًا، والأمر في المجتمع كاللبنات في الجدار والبناء، فلا يقوم بنيان المجتمع والأمة إلا بها، والجميع كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
    لقد شعّ نور الإسلام على جبين المرأة فشرّفها ورفعها، فهي الأم التي شُرِط رضاها لدخول الجنة، وكثر الترغيب في التفنن في برها وإسعادها لحصول الدرجات العلى، وهي البنت التي وُعد والدها بنعيم الجنة لمن عالها حتى تكبر، ولمن رحمها واعتنى بها ثم زوّجها لمن يظن فيه إسعادها، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه وبين يديه ابنه وابنته فقبل الصبي وترك الصبية فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا عدلت بينهما!" كما في شعب الإيمان للبيهقي (8177).
    وهي الزوجة التي ما إن ارتبطت مع زوجها بعقد شرعي وميثاق غليظ، إلّا وجب عليه أن يحفظها ويحوطها برعايته وعطفه ورحمته وحسن معشره وبشاشته، وأن ينفق عليها ــ ولو كانت أغنى منه ــ عليه أن يعاملها بالبر والإحسان، لها عليه من الحقوق كالذي له عليها كلٌ حسب ما هيئه الله وخلقه له ويسرّه. وهي الأخت والخالة والعمة والقريبة التي أمر الرجل بإكرامها وصلتها والإحسان إليها ووعد على ذلك بطول العمر وسعة الرزق ورضوان الله تعالى عنه.
    كما قد أباح الإسلام للمرأة تملك الأموال بل والعمل والتجارة والتعلم والتعليم، وحماها وصانها بالحجاب الذي يحفظها من الأعين التي قد تمتد إليها فتؤذيها، فهو حماية للطرفين من دواعي الرذيلة.
    كذلك فقد أعطاها الإسلام الميراث، بل قد فاق نصيب المرأة نصيب الرجل في عشر حالات من مسائل قسمة التركات، ناهيك عن حالات ترث المرأة التركة لوحدها دون الرجال. ولكن يأبى المستشرقون وأذنابهم التغريبيون إشهار ذلك.
    في حين نجد المرأة في كتابهم المقدس منعوتة بأحط الصفات: "الخطيئة مثل النساء" (حزقيال 16ـ: 4ــ 7، 20ــ 23)، والمرأة ترمز للشر (زكريا 5: 7)، وإن حاضت أو نفست فهي نجسة موبوءة ولا تساكن في البيوت، ولا يمس شيء مسته بجسدها، حتى تقوم بطقوس غريبة معقدة بعد انقطاع طمثها (لاويين 21: 9، 20: 11، 15: 19)، ولشؤم الأنثى فإن المولودة إن كانت أنثى فإنها تنجس أمها أسبوعًا إضافيًا (لاويين 12: 1) وغيرها كثير، فلتحمد النساء الله على إخراجهن من ربقة لوث العقول والأديان إلى نعيم وسعادة الإسلام.
"المساواة"
    يدندن بعض أعداء الإسلام على كلمة المساواة بين الجنسين في كل شيء، ويظن أن العدل والحق في ذلك، ولكن هل هذا مسلّمٌ؟
    أليس الجمع بين المختلفات كالتفريق بين المتماثلات، وهذه المسألة لها طرفان فالطرف الأول صحيح وهو أن البشر كلهم متساوون في أصل الخلقة، قال تعالى: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة"  [الأعراف: 189]، وقال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" [الحجرات: 13]، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى"([2])، وقال صلى الله عليه وسلم: "أنتم بنو آدم وآدم من تراب"([3]).
     أما أفلاطون في كتابه (الجمهورية) فيجعل الأحرار متساوين أمام قانون المدينة، ويستثني الغرباء والعبيد!
    والطرف الثاني هو التفريق بينها حسب الخلقة التي خلقها الله لعمارة الأرض، فهل تكوين الأنثى الجسدي والنفسي مساوٍ لتكوين الرجل؟ لقد راعت شريعة الإسلام ذلك؛ ففي الجوانب التي تتفوق فيها الأنثى عظمت عليها التكاليف، كالتربية للصغار لكمال حنوها وعطفها، والرجل أقوى على جلب الرزق فنيط ذلك به وهكذا، فالفرق في تركيب الذوات له أثر في نفس المساواة المطلقة بينهما من جميع الوجوه كما ذكره الشيخ عبد العزيز الطريفي([4]) والعجب أن الغرب الذي ما فتئ يعيّر المسلمين ــ جهلاً وظلمًا ــ بأنهم لا يساوون بين الذكر والأنثى نراه في المناصب القيادية في دُوَلِهِ لا يولي المرأة إلى (5% ــ 10%) فقط من المناصب، فاستجاب لفطرته عمليًا مع مكابرته عن الاعتراف بالحق نظريًا. قارن ذلك بتتبع مناصب النساء في رئاسة الوزراء وفي الحقائب المهمة للدول, ورئاسة مجالس إدارة الشركات, بل حتى الفرق والأندية الرياضية!  
     وقال الطريفي: الضرب المتكرر على هذا الموضوع يورث عند الناس خلطًا في المفاهيم، ولكن ما رأيك لو قلبنا القضية ــ وكلاهما باطل بالطبع ــ فلو قال قائل: إن الرجل مظلوم، فهو يعمل تحت لهيب الشمس، والمرأة تغط في نومها في المنزل وتستظل بدارها، والرجل في العراء والطرقات، يحمل الأثقال ويضعها ويستدين ويتسوّل لجلب نفقتها بالعمل وطلب الرزق، وكثرت ديونه للإنفاق على المرأة وأبنائها، وامتلأت المشافي من إصابات العمل والكد والكدح وامتلأت السجون بالرجال دون النساء. فضلاً عن الهموم والضغوط الحياة المؤدية للانتحار عند ضعيفي الإيمان بالله عز وجل، وكثر الرجال في المصحات النفسية واستهلاك أدوية المهدئات النفسية... إلى غير ذلك السرد المصوّر للظل الآخر للصورة الحقيقية، لذا نقول بكل ثقة: إن من خلق الجنسين هو أعلم بمصالحهما ومهماتهما في الحياة "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك: 14]  "ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم" [الحج: 52].
"الدية"
    أما كون دية المرأة على النصف من دية الرجل فلذلك حِكَم عميقة تظهر عند التأمل، وليس القصد من الدية كونها عوضًا عن النفس حتى يُزعم أنه تقليل من قدرها لأمرين:
    الأول: أن دية المرأة والرجل متساويتان في الأقل من الثلث، أما الزيادة على الثلث فدية الرجل أكثر لأنه العائل للورثة، أما المرأة فلا تعولهم لأنها مخدومة في بيتها وهي منفق عليها وليست منفقة.
    الثاني: أن الدية أصلاً لا تكون إلا في القتل الخطأ، أو في العمد إذا عفا أولياء الدم عن القاتل، أما الأصل في حال العمد فهو القصاص فلو اجتمع عشرة رجال وباشروا قتل طفلة واحدة في مهدها قتلوا جميعًا في الإسلام، وقد قتل عمر ثلاثة رجال من أهل صنعاء لقتلهم امرأة واحدة([5])، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الرجل يُقتل بالمرأة"([6])، وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديًا قتل جارية([7]).
    والدية ليست جبرًا لخاطر المجني عليه لأنه ميت فلن ينتفع بالمال، وإنما هي عوض للورثة الذين لا يتأثرون باختلال نظام المال بفوت أنثاهم، لأن المرأة لا تنفق في نظام الإسلام على زوج ولا على ولد.
    لذلك فمن أسباب عدم فهم الحكمة من تشريع الدية في قتل المرأة وأنها على النصف من دية الرجل عدم فهم مجموع نظام الإسلام المتلازم([8]).
"تعدّد الزوجات"
    لقد قصُرت عن فهم حكم تعدد الزوجات أفهام كثيرة، ولكن من تجرّد وتأمل المسألة انتهى إلى القول باستحسانها، فالتعدد هو شريعة الأنبياء والمرسلين، كإبراهيم ويعقوب وداود وسليمان ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكان لدى نبي الله سليمان عليه السلام (1000) امرأة منهن (700) زوجة، و(300) سُرّية (ملوك (1) 11)، وكذلك أبوه داود عليه السلام، فقد تزوج (300) امرأة من جميع الجنسيات (صموئيل (2) 5) بل يذكر عنه الكتاب المقدس أنه تزوج من فتاة صغيرة جدًا في شيخوخته! (ملوك (1) 1) ــ إن صحت روايات العهد القديم وفي ذلك نظر ــ.
    وبالجملة فالنساء أكثر من الرجال بفعل الحروب وغيرها، وبعض الرجال يعيش عزبًا لا يتزوج لظروفه المالية أو الصحية أو النفسية أو غيرها، فما الحل لمشكلة العدد الزائد من النساء؟ هل بفتح دور البغاء؟ أم بإباحة اتـخاذ العشيقات والخليلات خارج إطار الزواج؟ أم بكبت غرائز النساء وحرمانهن من الزواج المشروع؟ أم ماذا؟
    الحل المنطقي العدلي هو إباحة تعدد الزوجات بشروط وضوابط، فلابد أن تكون عند راغب التعدد القدرة على العدل بين الزوجات والقيام بكافة الحقوق الزوجية بدون نقص أو تقصير.
    وقد ذكرت المؤرخة المصرية النصرانية إيزيس حبيب المصري في كتابها (قصة الكنيسة القبطية) الكتاب الرابع (ص33) عن حال الأقباط سنة (1583م): "كان المسيحيون يتزوجون أكثر من زوجة وعارضهم البطريرك فاشتكوه للوالي فسجنه".
    وهذا هو المعمول به في التوراة: "إن اتـخذ لنفسه زوجه أخرى لا ينقص من طعامها وكسوتها" (خروج 21: 10).
    ورابطة الزواج رابطة شريفة عند المسلمين، بل لقد سمّاها الله تعالى في القرآن الميثاق الغليظ، وكره حل هذا الميثاق بالطلاق إلا عند تعذر الوئام بين الزوجين والخوف من تطوّر الشقاق إلى أكبر منه.
    أما عند النصارى فعلى خلاف تلك الرحمة والحكمة, فالكاثوليك فيحرمون الطلاق تحريمًا باتًا، ولا يسمح بنقض الزواج لأي سبب مهما كان، حتى ولو كانت خيانة الزنا، وأقصى ما يبيحه هو التفرقة الجسمية فقط مع اعتبار أن الزوجية باقية وشرعية وقائمة بينهما ولا يجوز لأحدهما أن يتزوج في هذه المرحلة، وقد تسبب هذا التشريع الغريب في اغتيال كثير من الأزواج لزوجاتهم والعكس فكاكًا من هذا السجن المستمر، أما الأرثوذكس فيجوزون الطلاق في حالة الزنا فقط من الزوج أو الزوجة، مع تحريم الزواج على المطلق أو المطلقة بعد ذلك، أما الإسلام فهو الحكمة التامة ففي القرآن الكريم "وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً" [النساء: 130)([9]).
    كذلك فالمرأة في الإسلام مخاطبة بتفاصيل الشريعة في العبادات والاعتقادات والحقوق، وموعودة في الجنة بأعلى الدرجات إن هي كانت من الصالحات.
    ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إمام العابدين الزاهدين حينما تزوج عدة نساء قد فعل ذلك لحكم وغايات سامية، منها رحمته بتلك النساء، ومنها ربط الأواصر الاجتماعية مع قومهن من أجل تماسك دولة الإسلام، ومنها أن يعلمن بنات جنسهن من بنات المؤمنين كثيرًا من أمور الدين التي لا يحسنها الرجال أو لا تَـحسُن منهم.
    فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج لشهوة, بل لمصالح جسيمة وأهداف جليلة، والدليل على ذلك أن كل زوجاته كن أرامل ومطلقات عدا عائشة، وكثير منهن كن كبيرات في السن.
    فسودة بنت زمعة رضي الله عنها كانت كبيرة متقدمة في السن ولم تذكر بجمال.
   وزينب بنت خزيمة رضي الله عنها قد تزوجها وقد بلغت الستين.
    وأم سلمة رضي الله عنها قد جاوزت سن الشباب حين بنى بها.
    وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها لإبطال عادة أهل الجاهلية بتحريم طليقة المتبنّي.
    وتزوج جويرية بنت الحارث رضي الله عنها بنت زعيم بني المصطلق فكسب كل قومها للإسلام.
   كذلك الحال في زواجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما بنت زعيم مكة وقائد المشركين حينها.
   وتزوج صفية بنت حيي رضي الله عنها ليصاهر سلالة هارون عليه السلام تأليفًا ليهود، إلى غير ذلك من الحكم والغايات السامية.
  قالت المستشرقة لورا فاغليري: "لقد أصرّ أعداء الإسلام على تصوير محمد شخصًا شهوانيًا ويرفضون أن يأخذوا بعين الاعتبار أنه طوال سني الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية على أشدها، وعلى الرغم أنه في مجتمع كان تعدد الزوجات فيه هو القاعدة؛ مع ذلك فلم يتزوج إلا امرأة واحدة وهي خديجة، ولم يتزوج ثانية إلا بعد أن توفيت بعد أن بلغ الخمسين من عمره، لقد كان لكل زواج من زواجاته سبب اجتماعي أو سياسي.. باستثناء عائشة تزوج محمد من نسوة لم يكنّ عذارى ولا شابات، فهل في ذلك شهوانية؟!... وقد التزم دائمًا سبيل المساواة بينهن جميعًا... لقد تصرف متأسيًا بالأنبياء القدامى مثل موسى وغيره الذين يبدوا أن لا أحد من الناس يعترض على زواجهم المتعدد"([10]).
    وقالت آن بيزيت في كتابها (حياة وتعاليم محمد): "هل تقصد أن تـخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه، لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره، بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بخمس عشرة سنة، وظل وفيًا لها طيلة (26) عامًا، ثم عندما بلغ الخمسين من عمره وهي السن التي تـخبو فيها رغبات الجسد، تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على الناس".
    هذا ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضى أبدًا بانتقاص المرأة أو ظلمها أو السخرية منها، ولما تكلمت بعض النساء على زوجه صفية بنت حيي رضي الله عنها وعيّرتها بأنها بنت يهودي واساها النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم بأن وجهها لتفاخر بأن أبوها نبي وعمها نبي وزوجها نبي، فأبوها الأعلى هارون وعمها موسى وزوجها محمد صلى الله عليهم وسلم.
    وقال المفكر الإنجليزي هلمنتن: "إن أحكام المرأة ــ أي في الإسلام ــ صريحة في وفرة العناية بوقايتها من كل ما يؤذيها ويشين سمعتها".
    وقال غوستاف لوبون: "الإسلام حسّن حال المرأة كثيرًا، وهو أول دين رفع شأنها، وإن المرأة في الشرق أكثر احترامًا وثقافة وسعادة منها في أوروبا على العموم".
    وتأمل هذه الوصايا النبوية: "خيركم خيركم للنساء"([11])، "اللهم إني أحرّج حق الضعيفين؛ حق اليتيم وحق المرأة"([12])، "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"([13])، "إنما النساء شقائق الرجال"([14])، ولما سُئل عن أحق الناس بحسن الصحبة قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أبوك"([15]) بل لقد خصص بابًا في مسجده للنساء صيانة لهن وحفظًا([16]).
    وهناك فوائد أخرى للتعدد كعدم قدرة المرأة على القيام بحقوق الزوج لمرضها أو عقمها أو عدم رغبتها في الولد، ولا تطيب نفسه بفراقها، أو تكون هي في حاجة للكفالة، أو اغترابه غربة طويلة ويُحال بينه وبينها، كذلك سد حاجة المجتمع وخلته، ويظهر هذا في أزمنة الحروب والكوارث العامة، فمن العدل والرحمة أن يتحمل الرجل عبء أكثر من زوجة إذ لا وجه للاقتصار على زوجة واحدة فيما تظل الباقيات بلا كفالة ولا رعاية، ولا يدركن نعمة الحياة بالزوج والولد والأسرة.
   وهنا شرط الإسلام العدل والقدرة، أما ادعاء أن في التعدد مفاسد اجتماعية فهذا مرفوض ومنقوض بأن هذا النظام قد جربته أمة الإسلام أربعة عشر قرنًا من الزمان فما أورثها إلا قوة وعزة ومناعة وكثرة وغلبة.
    أما المجتمعات التي تحرم التعدد فإنها تبيح الخليلات الكثيرات للرجل الواحد، وقد يكون لهذا السفاح نسل، ولا يجرؤ الأب على نسبته إليه، أو لا يهتم فيضيع النسل وينشأ في المحاضن والمياتم والملاجئ، ويواجه قسوة الآلام بعيدًا عن دفء الأمومة وحنان الأبوة.
    ولا زالت ظاهرة اللقطاء تؤرق المجتمع المنحل، وشتان بين طفل ينشأ فيعرف أباه في ظل زواج شرعي يقرر له حقوقه، وطفل آخر لا يعرف إلى من ينتسب، فيحرم من عواطف الأسرة وحنان الوالدين.
    إذن فإباحة الجمع بين أربع زوجات كحد أقصى مع اشتراط القدرة والعدالة هي الحل الأمثل لمشكلات كثيرة متجذرة في كل مجتمعات الأرض، سواء على مستوى الفرد أم الجماعة.
    وواقعًا لا يتصور أن كل رجل سيكون عنده أربع نسوة، بل الغالب هو عدم التعدد، ولكن فائض عدد النساء يستكمل براغبي التعدد مع أهليتهم واستعدادهم له ماليًا ونفسيًا وجسديًا، والآية الكريمة حثت على الاقتصار على زوجة واحدة عند خشية الظلم للمرأة، وجعلت الأمر موكولاً إلى ضمير المؤمن الحي، وحسابه على الله "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" [النساء: 3]، وشددت الشريعة في تحريم الحيف والجور على الزوجات فقال صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل"([17]). أما تقييد التعدد بإذن القاضي فإن هذا سيجعل الأمر يضيق، ثم يحاول الناس الهرب إلى العلاقات المختلسة، وبعقود السر التي لا تشهر ولا توثق، وحينئذ تفسد الطوايا وتضطرب الأحوال، لقد صدق الله وكذب المفترون "ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" [المائدة: 50].
    والكلام على الشبه الملقاة على الإسلام لا ينتهي لأن أعداءه مستمرين في لي أعناق نصوصه أو بترها أو الافتراء عليها علّهم ينالون منه... ويأبى الله.
    وقد رد الأخ الدكتور وديع أحمد فتحي في كتابه (الرد على شبهات النصارى) على كثير من الشبه الملقاة على الإسلام وهو الشماس الأرثوذكسي السابق والخبير بالكتاب المقدس، وله موقع الكتروني باسمه للإجابة على التساؤلات، كذلك فهناك مؤلفات ومواقع إلكترونية كثيرة تعنى بهذا الموضوع يجدها بسهولة من طلبها.
والحمد لله على تمام نعمه, وصلى وسلم على خير رسله.
إبراهيم الدميجي
@aldumaiji
6/ 3/ 1434
.......................
([1])   وقد سبق ذكر تفاصيل في ذلك في مقالات سابقة.
([2])   أحمد (38/ 474).
([3])   أبو داود (5118).
([4])   العقلية الليبرالية، الطريفي (ص221).
([5])   المصنف لابن أبي شيبة (6/ 364).
([6])   ابن حبان (6559)، الحاكم (1/ 395ــ 397).
([7])   متفق عليه.
([8])   وانظر: العقلية الليبرالية، الطريفي (ص229ــ 234).
([9]) الأسفار المقدسة، د. علي عبد الواحد وافي (ص139).
([10])   دفاع عن الإسلام، لورا فاغليري (ص99ــ 100).
([11])   رواه الحاكم وصححه الألباني.
([12])   رواه أحمد وابن ماجه.
([13])   رواه البخاري.
([14])   رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
([15])   متفق عليه.
([16])   رواه أبو داود.
([17])   رواه أحمد والأربعة بسند صحيح، وانظر: الثقافة الإسلامية، نخبة من الأساتذة، مطبعة جامعة أم القرى (3/ 102ــ 107).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق