الخميس، 17 أبريل 2014

القمص يوحنا سلامة : البروتستانت حرفوا الكتاب المقدس

بقلم محمود أباشيخ

كلما استشهد المسلمون بأحد العلماء المسيحيين الغربيين في مسألة تحريف الكتاب المقدس، رموا العالم بالإلحاد، حتى ليظن أحدنا ان جميع علماء المسيحية ألحدوا، ومن العجائب التي سمعته، ان المؤرخ الذي أرخ لجرائم البابا كيرلس كان وثنيا، أي أنه افترى علي البابا، وقيل هذا القول على الفضائية ومن شخصية كنيسة بارزة وهو القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير، وللأسف الإعلامية التي تحاور القمص لا تعرف شيئا عن تاريخ المسيحية، ولكن القمص يعلم جيدا أن المؤرخ سقراطوس لم يكن وثنيا، بل كان مسيحيا حتى النخاع، علي أي حال لا أتوقع أحد أن يرمي القمص يوحنا سلامة بالإلحاد ولا بالهرطقة، فهو ابن الكنيسة الأرثوذكسية أبا عن جد وينتمي لأسرة كهنوتية كبرى، وكتبه تدرس في الإكليريكية، وفي كتابه اللآلئ النفيسة القمص يوحنا سلامة يتهم صراحة البروتستنت بتحريف الكتاب المقدس


صورة من كتاب اللآلئ النفيسة ليوحنا سلامةالقمص يوحنا سلامة ابن كاهن في الكنسية القبطيةوجده كاهن، وله أربع أعمام كهنة، ولد عام 1878 ليلة العيد القديس أبو سيفين، لذلك سماه أبوه الكاهن باسم سيف، تخرج من الكلية الإكليريكية عام 1898 فعينته الكنيسة مدرسا في مدرسة الرهبان بالدير المحرق، ولما ترهبن اتخذ لنفسه اسم يوحنا، وفيما بعد صار وكيل البطريركية
القبطية بالخرطوم، وقد طبع كتابه اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة بإذن من البابا كيرلس السادس [1]
يقول القمص يوحنا سلامة في جـ 1،  صفحة 85 من الكتاب المذكور
وكان بولس يطوف سورية وكليكية يشدد الكنائس إذ يأمرهم أن يحفظوا وصايا الرسل والمشيخة أو الكهنة ( أعمال الرسل 15:41 ) هذا هو نص الآية الصحيح على ما أثبته البروتستانت أنفسهم في طبعة لندن سنة 1860 – أما في طبعة بيروت الحالية فقد أثبتوها محرفة مبتورة هكذا " فاجتاز بولس في سورية وكليكية يشدد الكنائس .. "
وقد حذف البروتستانت باقي هذه الآية كما فعلو بغيرها ليتخلصوا من الخضوع لشرائع الكنيسة قائلين بالخضوع لسلطة كتابهم بعد أن لعبت به إصبع الأغراض وتمشت بين سطوره أنملة الأهواء
نعود ونؤكد، القمص يوحنا سلامة مسيحي أرثوذكسي ابن كاهن أرثوذكسي وحفيد كاهن أرثوذكسي، وأربع من أعمامه كهنة، كتابه أجازه البابا كيرلس السادس
وبجانب اتهام القمص يوحنا سلامة للبروتستانت بالتحريف، يقدم لنا نص أعمال الرسل كاملا قبل التحريف البروتستانتي، والنص الكامل كالتالي
وكان القديس بولس يطوف سورية وكليكية يشدد الكنائس إذ يأمرهم أن يحفظوا وصايا الرسل والمشيخة أو الكهنة
والسؤال : هل نسخة الكتاب المقدس الذي تعتمده الكنيسة المصرية يحتوي على النص كاملا؟
الجواب لا- والنص كما ذكره القمص يوحنا سلامة لا يوجد في أية نسخة عربية،والنص في نسخة الفاندايك التي تعتمدها الكنيسة القبطية كالتالي [2]
فاجتاز سورية وكيليكية يشدد الكنائس ( أعمال الرسل 15/41 )
فسافر في مقاطعتي سورية وكيليكية يشدد الكنائس (نسخة الحياة )
وسافر في سوريا وكيليكية يقوي المؤمنين.( الإنجيل الشريف )
فطاف سورية وقيليقية يثبت الكنائس (نسخة الرهباية اليسوعية )
ولنا سؤالصورة من نسخة الفاندايك النص المحرف
أين بقية النص من النسخ الكنائس العربية كما ذكره القمص يوحنا سلامة
لقد ورد النص في النسخ البروتستانتية لعام 1860 حسب قول القمص يوحنا سلامة وتم إسقاطه فيما بعد من النسخ البروتستنتية، فمن حذفه من النسخ الأخرى؟
الحقيقة هي ان اتهام القمص يوحنا سلامة للبروتستانت باطل، فكل ما فعله البروتستانت هو أنهم  صححوا النص، فالنص كان قد تم تحريفه أصلا من قبل الأرثوذكس  [3]  أي أن الأرثوذكس هم من أضافوا الزيادة، 
يقول العلامة بروز متزجار
في نهاية النص، مخطوطة بيزا تضيف عبارة زائدة " وابلغهم وصايا الشيوخ"  وردت العبارة مفصلة أكثر في هامش السريانية ويدعمها بعض المخطوطات الفلجاتا اللاتينية " وصايا الرسل والشيوخ" [4]
يقول آدم كلارك في تفسيره لأعمال الرسل 15/41
" ( يثبت الكنائس ) كان هذا هو هدف الرحلة، لقد كانوا متنصرين جدد وبحاجة إلى تثبيت، ولا شك ان إخبارهم قرارات مجمع أورشليم الأخير قد ثبت إيمانهم وآمالهم، ولا شك ان هذا الاعتبار هو الذي دفع بعض المخطوطات والنسخ إضافة (وابلغهم قرارات الرسل والشيوخ ليحافظوا عليها ) ولا شك ان هذه الفقرة ليست جزءا من النص الأصلي ويبدو ان الإضافة مستعارة من العدد الرابع من الإصحاح التالي"  [5]
يلاحظ من كلام القمص يوحنا سلامة أن تحريف البروتستانت سببه رفضهم لسلطة الكهنوت، وسلطة الكهنوت من المسائل الخلافية الأساسية بين الإنجيلين من جانب والكنائس الرسولية من جانب آخر، واستندت الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية علي كتابات القديس أغناطيوس لسلطة الكهنوت، وقد برهن العلماء ان هذه الرسائل المنسوبة إلى القديس أغناطيوس الأنطاكي منحولة، زورتها الكنيسة من أجل ان تمنح الكهنة السلطة الكاملة على الرعية،  لهذا يرفض البروتستانت جميع رسائل القديس أغناطيوس الأنطاكي، بينا يقبل البعض سبع من هذه الرسائل وآخرون يقبلون ثلاثة، ويتفق الجميع على ان كل هذه الرسائل أطالتها يد المحرفين [6]


ان الصراعات بين الطوائف المسيحية ليست جديدة، بل هي ترجع إلى عصر الرسل، وقد أدت الخلافات بين الرسل أحيانا الي المخاصمة والإفتراق كخلاف بولس مع برنابا،[7] واختلاف بولس مع بطرس، ويفسر هذه الخلافات انها كانت شخصية، والبحث فيه يطول، فاذا تجاهلنا خلافات الرسل فاننا لا نستطيع ان نتجاهل الخلافات العقائدية بين ابتاع المدرستين، مدرسة بولس التي يمنمي إليها مسيحيو الأمم ومدرسة بطرس وهم المسيحيون من الأصول اليهودية والخلافات الطقسية والعقائدية بين الفريقين واضحة في رسائل بولس وسفر أعمال الرسل ورسالة يعقوب
قبل أن تكتب الأناجيل، اعتبر بولس أن انجيله غير إنجيل بطرس (واعرّفكم ايها الاخوة بالانجيل الذي بشرتكم به ) 1كو15/1 (بل بالعكس اذ رأوا اني اؤتمنت على انجيل الغرلة كما بطرس على انجيل الختان ) غلاطية 2/7 ) وكانت كنيسة الأم في أورشليم على عقيدة غير عقيدة كنائس الأمم التي أسسها بولس، وكانيعقوب أخ الرب يترأس كنيسة الأم في أورشليم، وقد أطلق على أتباع هذه الكنيسة فيما بعد بالأبيونيين وهم ممن رفضوا ألوهية المسيح، بل ان الخلافات في عصر الرسل وصل بين ابناء الكنيسة الواحدة، ففي كنيسة غلاطية التي أسسها بولس ظهر من يعارض إيمان بولس
"وتهجَّموا على رسوليته قائلين إن الرسل الحقيقيين هم فقط الاثنا عشر في أُورشليم المُعيَّنون من المسيح، أمَّا بولس هذا فهو تابع لرسل أُورشليم وتعاليمه لا يعتدّ بها."  [8]
وقد استدعي هذا الخلاف كتابة بولس لرسالته الي غلاطية التي أغلظ فيها الخطاب، (ايها الغلاطيون الاغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق ) (3/1)

وكثرت هذه الخلافات فيما بعد كما كثرت الطوائف المسيحية، ففي القرن الثاني والثالث ظهرت طوائف عديدة كلها تطلق على نفسها " مسيحيون" غير ان بعض هذه الطوائف كانت تنادي بإله واحد، وأصر الآخرون على إلهين، بينما قال آخرون بالثالوث، وهناك من نادى بثلاثين آلهة وزعمت طوائف أخري بوجود 365 آلهة، وهناك من قال ان الله هو خالق الكون لكن آخرون قالوا ان الله أسمى من ان يتعامل مع المادة، بل ان الله خلق الكون بواسطة إله اصغر، أي تابع، ومن هنا ظهرت ما يعرف بعقيدة التبعية
 فإذا كان البروتستانت قد حرفوا في الكتاب المقدس بسبب الخلافات الطقسية والعقائدية، فان التحريف قديم قدم الخلاف، ولقد تبادل المسيحيون الاتهامات بالتحريف منذ القدم، قبل أن يكتب الإنجيل يتهم بولس المخالفين له بتحريف الإيمان المسيحي، (يوجد قوم يزعجونكم ويريدون ان يحوّلوا إنجيل المسيح ) (غلاطية 17 )
وما أن كتبت الأناجيل حتى بدأ تبادل الإتهامات، فالأرثوذكسية البدائية تتهم كل الفرق الأخرى بالتحريف، والفرق الآخرى تتهم الأرثوذكسية البدائية، أما مارقيونوأتباعه فقد أتهموا المسيحيين المتعاطفين مع اليهود بتحريف رسائل بولس وانجيل لوقا، ولما صحح المرقيونيون ما اعتبروه تحريفا، اتهمهم الأرثوذكس بالتحريف [9]

كما وجه الإتهام الى الأبيونيين بحذف الإصحاحين الأول والثاني من إنجيل متى لأن بعضهم يرفضون الميلاد العذراوي
ونقل يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي إتهام أرتيمون للكنيسة الجامعة بتحريف العقيدة والكتاب المقدس، وقال
إن حق الإنجيل حفظ حتى أيام فيكتور الأسقف الثالث عشر على روما بعد بطرس ولكن الحق فسد منذ أيام خلفه زيرينوس" [10 ]
وفي المقابل بادلتهم الكنيسة التهمة فقالوا
"وفي تحريف بساطة الإيمان بالأسفار الإلهية قد ابتعدوا عن الإيمان لذلك وضعوا أيديهم بجرأة على الأسفار الإلهية زاعمين بأنهم قد صححوها. وليعلم كل من يريد بأنني لا افترى عليهم في هذا الأمر لأنه ان جمع أحد نسخهم المختلفة وقارنها ببعضها وجدها تختلف عن بعضها اختلافا بينا [11]" 
وفي عصر القديس أغسطينوس أتهم المنيخييون الكنيسة الجامعة بتحريف الكتاب المقدس[12] ، بينما اتهم أوريجانوس اليهود بتحريف الكتاب المقدس في رسالته إلى يوليوس أفريكانوس، كما اتهم القديس يوستينوس الشهيد اليهود أيضا، وقال بهذا القديس جيروم في مقدمته للعبرانيين ( انظر القديس جيروم يتهم اليهود بالتحريف )

الكتابات المنحولة

ابتداء من نهاية القرن الثاني ظهرت عشرات الأناجيل وسير الرسل، منسوبة إلى تلاميذ المسيح، وهذه الأناجيل والسير ترفضها الكنيسة وتسميها الأناجيل المنحولة، بعض هذه الأناجيل كتبها رجال الدين المسيحي من الكنيسة الكاثوليكية كما يقر المسيحيون الآن، وحتى تلك الأناجيل التي كتبها الهراطقة استعانت بها الكنيسة بعد أن عدلت فيه، جاء في كتاب تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة
هذه الكتابات المنحولة جزء يميل إلى الهرطقة أو إلى الغنوصية في أغلب الأحيان وجزء أعاد صياغته كتاب كاثوليكيون وجزء وضعه كتاب كاثوليكيون " والكاثوليكيون هنا تعني الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة ولا تعني الطائفة الكاثوليكية
ويضيف الكتاب ان وراء تزوير الأناجيل ونسبتها إلى تلاميذ المسيح هو التقوى الشعبية والرغبة في الفائدة اللاهوتية و ملئ الفراغ الذي تركته الأناجيل، كطفولة يسوع وحياة العذراء ومصير الرسل ( الحواريين ) إضافة إلى سعى الكنيسة إلى الإجابة عن مسائل دفاعية أو عقيدية معاصرة مدعية سلطة الرسل ادعاء وهميا ( ص40 )
بعد أن تم حصر الأناجيل في الأربعة المعروفة في أواخر القرن الثاني، بدأت الكنيسة تعلن رفضها للأناجيل والرسائل أو السير المنحولة، ولكن ظل بعض منها معترف بها كجزء من الكتاب المقدس، خاصة الرسائل، كرسالة برنابا ورسالة أكليمندس الروماني الثانية المنحولة
جاء في كتاب تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ص 65 [13]
العادة أن تصنف رسالة برنابا بين مؤلفات الآباء والكتاب الرسوليين وفي بعض الأحيان بين الأسفار القانونية
وفي ص 75 إن هذه الرسالة الثالثة إلى الكورنثئين تسبقها رسالة كهنة كورنثس الى بولس وقد عدتها الكنيسة السريانية والأرمنية قانونية بعض الوقت
وفي ( ص78،79 )
إن راعى هرماس من المؤلفات غير القانونية التي كانت لها مكانة مرموقة في القرون المسيحية الأولى وعداه البعض من الكتب القانونية فإيريناوس  وإكليمنضس الإسكندري امتدحاه وعداه سفرا مقدسا كذلك اوريحانوس عده ملهما والعلامة ترتليانوس صنف الراعى بين الأسفار المقدسة  

والملخص هو ان كل الطوائف المسيحية حرفت الكتاب المقدس، كما حرف اليهود العهد القديم، وخلف هذه التحريفات دائما دوافع لاهوتية أو طقسية، ولا يزال التحريف مستمرا
محمود أباشيخ
[1] راجع كتاب القمص يوحنا سلامة اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة جـ 1 ، ص 9-11 مكتبة مار جرجس مصر 1965 ط 3
[2]  إن الكنيسة القبطية لم تصدر نسخة خاصة بها وهي تعتمد علي نسخة الفاندايك ولكن هذا لا يعفيها من المسئولية إذ تعتمد على إنجيل ترى أنه محرف
[3] نستخدم مصطلح الأرثوذكس هنا بمعناه القديم والمقابل للكنائس الهرطوقية
[4] BRUCE M. METZGER Textual Commentary on the Greek New Testament Page 389 2ed
[5] Adam Clarke's Commentary, Acts 15:41 Electronic Database. Biblesoft
[6] Freedman, D. N "EPISTLES OF IGNATIUS" in The Anchor Bible Dictionary.Vol. 3, Page 384
[7] انظر أعمال الرسل 15/39
[8] متى المسكين، شرح رسالة غلاطية ص 16 
[9]  Bart D. Ehrman, Lost Christianities The Battles for Scripture and the Faiths We Never Knew  P227
[10 ]   تاريخ الكنيسة. ترجمة مرقص داود.  الكتاب الخامس فصل 28 ، ص 240
[11] المصدر السابق ص 242
[12] Augustin. On the Profit of Believing.in The Nicene and Post-Nicene Fathers Vol. 3. P350
[13] كيرلس سليم بسترس، حنا الفاخورى ، جوزيف البولسي، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة . منشورات المكتبة البولسية ص 65

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق