وينقل كرنيلوس فانديك في كتابه "كشف أباطيل عن عبادة الصور والتماثيل" ينقل ترنيمة أخرى تقال في السبت الذي يلي جمعة الآلام "السلام لك أيها الصليب والرجاء الوحيد، زد نعمة الأتقياء، وهب للمذنبين مغفرة الخطايا".
يقول فانديك: "لكن كهنة الرومانيين يقولون هذا باللاتينية الميتة، وعامة الشعب لا يفهمون ما يبربرون به"، ويقول: "إن ثلثي النصارى في عصرنا هذا هم عبدة أصنام".
وفي القرن الرابع أيضاً كان الشرارة التي عنها نشأت عبادة الصور والتماثيل، فقد أمرت أم الامبرطور - هيلانة - بإحضار جثة النبي
دانيال، وبعدها أحضرت جثث لوقا واندرواس وتيموثاوس في عهد الامبرطور قسطنس.
وفي عهد أركاديوس أحضروا جثة صموئيل، ثم إشعيا في عهد ثيودوسيوس، وأحضرت جثة
مريم المجدلية ولعازر في عهد لادن السادس، ثم نعلي
المسيح ورداء
إيليا و…
وقد وضعت هذه الجثث والمتعلقات الشخصية للأنبياء في الكنائس، وتسابق الناس إليها طلباً للشفاء والبركة، واختص بعض هذه الأضرحة بعلاج بعض الآفات، فالقديس أوتيميوس اختص ضريحه بالرجال الذين لديهم مشكلات جنسية، فيما يذهب النساء إلى قبر القديسة ميزونيا، وسادت الامبرطورية قصص الخرافات والتنبؤ بالغيب، وغير ذلك مما يظهر في مثل تلك الأجواء الوثنية.
وفي
مجمع قسطنطينية 754م حضرت وفود شرقية وغربية تفاوضت لمدة ستة أشهر، ثم قررت أن استعمال الصور والتماثيل في العبادة مطلقاً رجوع للوثنية ومناقض للنصرانية.
وفي مجمع نيقية الثاني 787م وبأمر من الملكة إيرينا انعقد المجمع، وقرر 350 أسقفاً غربياً وجوب استعمال الصور والتماثيل في الكنائس، ثم قرر البابا جريجوري الثاني والثالث حرمان ومروق الجماعات التي تناهض وجود التماثيل والصور في الكنائس، وهو ما أكده مجمع القسطنطينية عام 842م.
وهكذا تلاعبت الأهواء بالمجامع النصرانية في هذه المسألة، فأحدها يوجب، والآخر يكفر، ولا ندري كيف يستقيم هذا مع قول النصارى بعصمة المجامع، لاعتقادهم بحلول
الروح القدس على أصحابها.
وقد نقل عن المسيحيين الأوائل إنكار هذه المظاهر الوثنية، فقد مر أسقف قبرص ايفانيوس بمكان في فلسطين، ورأى سترة عليها صورة للمسيح، فمزقه قائلاً: "إن مثل هذا عيب على الشعب المسيحي" ([1]).
ويذكر المعلم ميخائيل مشاقه صوراً مزرية لهذه الوثنية في كتابه "أجوبة الإنجيليين على أباطيل التقليدين" فيقول: "وربما صوروا بعض قديسين على صورة لم يخلق الله مثلها، كتصويرهم رأس كلب على جسم إنسان يسمونه القديس خريسطفورس، ويقدمون له أنواع العبادة، ويطلقون البخور، ويتلمسون شفاعته.
فهل يليق بالمسيحيين الاعتقاد بوجود العقل المنطقي والقداسة في أدمغة الكلاب؟ أين هي عصمة كنائسهم من الغلط".
كما ذكر المعلم ميخائيل تصويرهم الآب والابن والروح القدس في صور وتماثيل يقومون بعبادتها.
واستنكاراً من العلامة رحمة الله الهندي لعبادة الصليب، فإنه يتساءل: لم لا يعبد النصارى جنس الحمير، فقد ركب المسيح على حمار وهو يدخل أورشليم، وليس الخشب (في حادثة الصلب) بأولى بالعبادة والتقديس من الحمار، إذ هو حيوان، بينما الخشب جماد لا حياة فيه.
فإن كان عبادتهم للصليب لأنه كان سبيل نجاتهم، فكذلك كان
يهوذا الاسخريوطي، فلولا تسليمه المسيح لما أمكن صلبه وحصول الفداء، ثم هو مساوٍ للمسيح في الإنسانية، وممتلئ من روح القدس قبل خيانته. فلم كانت هذه الواسطة (يهوذا) ملعونة وتلكم مباركة؟!.
وإن قيل: سال دمه على الصليب، فكذلك الشوك الموضوع على رأسه، فلم لا يعبد؟ ([2])
وهكذا نرى أن الوثنية في
النصرانية والشرك في عباداتها وتصوراتها لم يكن محصوراً في عبادة المسيح والروح القدس، بل انضاف إليه الكثير من ضروب الوثنية والشرك، والتي تتوعد الأسفار المقدسة فاعلها بأليم العقاب الذي لم تبال فيه الكنيسة حين عمدت بقراراتها إلى مخالفة ما جاء في الناموس من وصايا، ففي التوراة: " لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة ما، مّما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض" (الخروج 20/4).
كما قد توعدت التوراة باللعن أولئك الذين يصنعون التماثيل " فيصرخ اللاويون، ويقولون لجميع قوم إسرائيل بصوت عال: ملعون الإنسان الذي يصنع تمثالاً منحوتاً أو مسبوكاً رجساً لدى الرب عمل يدي نحات، ويضعه في الخفاء. ويجيب جميع الشعب ويقولون: آمين" (التثنية 27/14-15)، (وانظر 4/15-24).
([1]) انظر: المسيح عليه السلام بين الحقائق والأوهام، محمد وصفي، ص (122-125)، مسيحية بلا مسيح، كامل سعفان ص (94-100).
([2]) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (3/844-846).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق