سلسلة حلقات كشف الشبه
عن الإسلام: الجزء الأول
هل
انتشر الإسلام بحد السيف؟! (1/ 2)
الحمد لله القوي الكبير المتين, القهار الجبار العظيم. قال في محكم التنزيل:
"ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم
الغالبون" (الصافات: 171_173) "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي
عزيز" (المجادلة: 21) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أنزل الحديد
فيه بأس شديد ليتحقّق في عالم الشهادة عِلْمُهُ في من ينصره فيفلح, ومن بالخذلان
يرميه فتخسر صفقته وتخيب سَفْرَتُه, وبسكين الشقاء يُذبح. وأشهد أن نبينا محمداً
عبده ورسوله خير الورى وسيد الأنبياء, نبي الرحمة والملحمة, الضحوك القتَّال, قرَع
الله بناموسه ما بين الخافقين, وشقَّ نور هديهِ ظلمات الثقلين, فأشرقت الأرض بنور
ربها. أعنقت إليه منقادة ألبابُ الحكماء, وكرعت في بحر هديه حتى ضربت بعطنٍ أفئدةُ
العلماء وفِطَرُ البسطاء. القائل فيما رواه الشيخان: "نصرت بالرعب مسيرة
شهر" عليه الصلاة والسلام والبركة
والنعمة عدد ما ذَرَّ في الأفق شارقٌ ولمع في الخضراء بارق, ورضي الله عن الأصحاب
والتابعين والأتباع السابقين والأبرار, زينوا مُحيّا الدنيا بعبادتهم وجهادهم, إذ دعوا
الناس لدين الله بالحسنى, وقاتلوا في سبيل الله من أبى. دعوتهم: الإسلام, فمن أبى
فالجزية والصغار, فمن ركب ضلالة رأسه أذاقوه الحتف المبين. فلله أجساداً لهم طاهرة منثورة في تنائف
الغبراء إعلاء لدين رب العالمين. حقيق بألويتهم الصادقة وكتائبهم السابقة وصف ابن
برْدٍ:
إِذا الـمَلِكُ
الـجَبّارُ صَـعَّرَ خَـدَّهُ...مَـشَينا إِلَـيهِ بِـالسُيوفِ نُـعاتِبُه
وَكُـنّا إِذا دَبَّ الـعَدُوُّ لِـسُخطِنا
... وَراقَـبَنا فـي ظـاهِرٍ لا
نُـراقِبُه
رَكِـبنا لَـهُ جَـهراً بِـكُلِّ مُثَقَّفٍ
... وَأَبـيَضَ تَـستَسقي
الدِماءَ مَضارِبُه
وَجَيشٍ كَجُنحِ اللَيلِ يَرجُفُ بِالحَصى
... وَبِـالشَوكِ وَالـخَطِّيِّ
حُـمرٌ ثَعالِبُه
غَـدَونا لَهُ وَالشَمسُ في خِدرِ أُمِّها
... تُـطالِعُنا وَالـطَلُّ لَـم
يَجرِ ذائِبُه
بِضَربٍ يَذوقُ المَوتَ مَن ذاقَ طَعمَهُ
... وَتُـدرِكُ مَـن نَـجّى
الفِرارُ مَثالِبُه
كَـأَنَّ مُـثارَ الـنَقعِ فَوقَ رُؤُسِنا ... وَأَسـيافَنا
لَـيلٌ تَـهاوى كَواكِبُه
وَأَرعَـنَ يَغشى الشَمسَ
لَونُ حَديدِهِ ... وَتَـخلِسُ أَبـصارَ الـكُماةِ كَتائِبُه
تَـغَصُّ بِـهِ الأَرضُ الفَضاءُ إِذا غَدا
... تُـزاحِمُ أَركـانَ الـجِبالِ
مَـناكِبُه
مُـعِدّينَ ضِـرغاماً
وَأَسـوَدَ سالِخاً ... حُـتوفاً
لِـمَن دَبَّـت إِلَينا عَقارِبُه
ألا فالتهتزّ يا ابن الأكرمين لذكر سلفك
المجاهدين الذين مدّوا لنا سلالم المجد والعلا بدمائهم وبنوا لنا دَرَجَ الخير والهدى بجماجمهم, فرضي الله عنهم
وألحقنا بهم غير خزايا ولا ندامى ولا مفتونين ولا مبدّلين. أما بعد:
فمن مرارات الليالي وحرقات الأيام؛ أن يرى
المؤمن فئاماً من خيرة قومه يتساقطون صرعى في حتوف شبهات أهل الغضب والضلال,
ويستطيبون طعم الباطل وهو طُعْمُ صيدهم لو كانوا يعلمون! فغدا الصائد مصيداً,
ولو تدرّع العزّة ابتداءً لهابَتْهُ الثعالب والرخم, والليثُ إذا نسيَ جنسه قادتهُ
الأحمرة.. ألا بئس الرأي الدَّبَرى!
في هذا الزمان العصيب, يهرول بعض سراتنا
طارقين أبواب أهل الكتاب, رافعين شعار الحوار لكن ليت شعري: أيّ حوار هذا؟! فإن
كان لدعوتهم للإسلام أو كف شرهم عن الأمة أو الاتفاق على مشتركات لا تخل بالثوابت
تخدم الأمة ولا تستذلها وترعى مصالحها ولا تجتاحها؛ فحيهلاً. أما غيرها من تقريب
هدي (الآخر!) وتسويغ فِرَاه, وإقرار تغلُّبه, وتمييع الثوابت؛ فلا ثم لا! هذا جانب.
أما الجانب الآخر؛ فيزعم بعض قومنا أن
الحوارات القائمة مع أهل الأديان لا تمسُّ الأديان, ولكن يأبى عبّاد عزيز
والصليب والبقر وبوذا ذلك! فقد رأينا وسمعنا الحاخام يبهت وينبح, والقس يهزأ ويجرح, والكاهن
البوذي يذبح, وبعض بني قومنا لا يبيتون على خسف يرادُ بهم!
ورأينا آخرين يهيمون في غيهم لإبطال شريعة
الجهاد على غير هدى, إذ نفوا شرعية جهاد الطلب جملة وحشروا نصوص الوحيين في الدفاع فقط,
فضلوا وأضلوا. بل ألف بعضهم الكتب وسطر الطروس وأحال على المحال برد الظواهر
القواطع من براهين الوحي المنزل! وكم أقيمت المؤتمرات وأُنشئت الندوات من أجل نشر هذه البدعة
الدنيئة! والخطر كامن في تبني بعض الهيئات الإسلامية العامة, وبعض الشخصيات
العلمية المتبوعة بدعة القول بأن الإسلام ليس فيه جهاد الطلب إنما هو الدفاع فقط..كَبُرَتْ كلمة! فمهلاً
يا نعايانا!
إلى كم ذا التخلّف
والتواني ... وكم هذا التمادي في التمادي؟!
هل أصبح رضى الكافرين أحب غائب إلينا؟! إلا إن
تلك المُنَى أكذب من سراب, وأقفر من خراب "ولن ترضى عنك
اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" (البقرة:120) فيا قوماه الوَحَا الوحا!
فالأماني تخدعكم, وعند الحقائق تدعكم!
إخوتاه! إياكم والضَّعةِ والهوينى, وخذوا
الكتاب بقوّة, وكونوا كما قال أبو تمام:
أعاذلتي ما أخشن الليل
مركباً ... وأخشن منه في الملمات راكبه
ذريني وأهوال الزمان
أُقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه
لقد نادى على نفسه بالجهل من دعا إلى نقض شطر
فريضة الجهاد بحصره في الدفاع دون الطلب, إذ تأباه الآيات وترده الأحاديث وتشهد
ببطلانه المغازي, وينقضه الإجماع المنعقد. ونحن لسنا بحاجة لأن
نعرض إسلاما مشوهاً, رغبة في ثناء أعدائه! "وإن تتولوا
يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" (القتال: 38) فيا دعاة الانفتاح, ماذا فتحتم في حصن
أمتكم من حصون حصينة وثغور منيعة؟! ما ذا تركتم للمُثَّاقلين؟! والمُمِضُّ أن لسبيلهم سابلةٌ, ولدعواتهم قلوبٌ قابلة.
فإن سُئلوا: ما براهينكم؟ أحالوا على نصوص الرفق
والكفّ والعفو والمسامحة, غافلين عن أضدادها في مكانها وزمانها وأهلها, ثم نراهم
يُضحكون الثكلى باستدلالهم بدخول شعوب في الإسلام بجهاد الكلمة دون جهاد الطلب! وهذا لعمر إلهنا تسطيحٌ
للمسالة, ولَجَجٌ في المناظرة! فالجميع متفقون على أن الغاية من جهاد السيف هي نشر
الإسلام, فإن تحقق الأمر بدونه فقد كُفِيَ المجاهدون, لكن ماذا إن أبى الطغاة
وتفرعن الجبابرة؟! وحتى لا يكابر المخالف؛ فنقول: كيف دخل الإسلام البلاد من الهند
وخراسان شرقاً إلى تركيا وألبانيا وكوسوفا شمالاً, إلى مصر والمغرب العربي والأندلس
شرقاً؟ بل من فتح فارس والعراق والشام واليمن؟ أليست سيوف الصحابة والتابعين
والأتباع؟!
ثم يركض بعضهم بشبهة مفادها؛
أنه لم يجد في الوحيين لفظ جهاد الطلب. والجواب: أن أهل العلم أخذوه استقراءً,
فسبروا وقسّموا تسهيلاً لطلاب العلم, وهو مصطلح لا مشاحة فيه, فاقبلوا بمعناه الذي
دلت عليه النصوص ثم سمّوه ما شئتم. فالسلف لم يسموه بذلك لأنهم نظروا للجهاد كتلة
واحدة, ومن أخرج جهاد الطلب فهو المطالب بالدليل, لا لأنه خالف المصطلح بل
لأنه خالف الدليل.
ثم سار المبطل في طِوَل
غيِّه فتعلّق برسالة منسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية, ويزعم فيها أن شيخ الإسلام
يقرّ ما نَحَتْ له مُبْطِلَةُ جهادِ الطلب! مع أن هذه الرسالة لم تثبت, ولو أنّهم
نسبوها لغير هذا الإمام الذي جاهد في مصنفاته لإثبات جهاد الطلب ونافح عنه لكان
لنسبتهم وجه, وقد نفاها جمع من أهل العلم الذين خبروا مصنفات شيخ الإسلام كسليمان
بن حمدان وابن إبراهيم وابن قاسم وابن باز وغيرهم, وهي عبارة عن نصوص ملفق بعضها
من كلام شيخ الإسلام مع زيادة ونقص, وقد وجّهها بعض الفضلاء توجيهاً وسطاً فقالوا
بأنها لو صحت؛ فالمراد منها الرد على قويلٍ فقهي ضعيف, يقول
أصحابه بأن قتال الكفار هو لأجل كفرهم لا حربهم, ولهذا فهؤلاء يرون قتل كل كافر,
سواء كان قادرًا على القتال أو عاجزاً عنه، محارباً أو مسالماً إلا النساء
والذرية, فأبطل الشيخ هذا القول الشاذ. وحتى لو افترضنا نصر الشيخ لمذهبهم فلا عبرة
بكلام أحد خالف الوحي ومنهج السلف الصالح كائناً من كان.
والعجب أنهم نسبوا
قولهم لجماهير العلماء وحكموا على من خالفهم بالشذوذ! فهلّا بينتم يا أهل
الإجمال؟!
شُبَهٌ تهافتْ كالزجاجِ
تخالها ... حقًّا وكلٌّ كاسرٌ مكسورُ
والعجب لا ينقضي من
هؤلاء الذين يتهمون من قال بجهاد الطلب بالشذوذ, وينسبون رأيهم للجمهور, مع أن
قولهم هذا محض بدعة رديئة, ومخالفة للإجماع المنعقد, وكفى بذينك ضلالاً مبيناً. وقد نقل الإجماع شيخ
المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (4/ 269)
كذلك ابن عطية في تفسيره (2/ 43) وقال العلامة ابن باز:
"أما قول من قال بأن القتال للدفاع فقط، فهذا القول ما علمته لأحد من العلماء
القدامى، أن الجهاد شرع في الإسلام بعد آية السيف للدفاع فقط، وأن الكفار لا
يُبدؤن بالقتال وإنما يشرع للدفاع فقط". مجموع فتاوى ومقالات متنوعة
(3/171-201)
وكأن هؤلاء لم يعلموا أن الخلاف إنما هو في
فرضية جهاد الطلب هل على الأعيان, أم على الكفاية, وقد هجروا قول من استحبّه. ولم
يقل أحد من المتقدمين بعدم مشروعيته, لكن أفراخ الاستعمار من العصرانيين استساغوا
ذلك فشقّوا كلمة الأمة وخرقوا إجماعها.
ويعرفُ أخلاق الجبانِ
جوادُهُ ... فيُجهِدُهُ كَرًّا ويُرهِقُهُ ذُعراً
ومن يَحْلُ تِطلابَ
المعاني بصدره ... يجدْ حُلوَ ما يُعطاهُ من غيرِها مُرّاً
وبعضهم قد يظن أن الرأفة والرحمة مانعتان من
جهاد الطلب, ولو أنعمَ التأمل لأيقن أن الرحمة بحذافيرها في جهاد الطلب, لكن الميزان مائل!"والآخرة
خير وأبقى" (الأعلى: 19)
ولْتنزّل معكم مفترضين صواب تضعيفكم حديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ
حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ
خَالَفَ أَمْرِي،
وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم" رواه أحمد وصححه
جمع من النقاد, فما أنتم صانعون حيال محكمات الآي: "واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ" (البقرة:191) "وَلا يَزَالُونَ
يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا"
(البقرة:217( "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً"
(النساء:89( "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ
كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التوبة:5) "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ
وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ
الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة:111) "فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ
الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ
اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ" (محمد:4(
كذلك صريح السنة التي تُبطل
ما بنيتموه وزيفتموه؟! كقوله عليه الصلاة والسلام "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً
رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا
فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله
تعالى" متفق عليه. كذلك بفعله في جل مغازيه المباركات عليه الصلاة والسلام. وفي حديث بريدة رضي الله عنه المخرج في مسلم
وغيره قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَ
أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ, أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى
اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا مَنْ
كَفَرَ بِاللَّهِ ... فَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ فَسَلْهُمْ
إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ،
فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ" وله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في
ذكر حديث فتح خيبر وإعطائه الراية علياً رضي الله عنه وأنه قال له: "امش ولا
تلتفت حتى يفتح الله عليك" قال: فسار علي شيئاً، ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: يا
رسول الله: على ماذا أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم
وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".
فليت شعري! أين يذهب بنا أولئك المخذّلون؟! "وأما
الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" (الرعد: 17)
وهذا المقال شطره لإخواننا ممن شُبِّهَ عليهم
الأمر, وشطره لمن هم خارج دائرة الإسلام ممن راجت عليهم شبه أعدائه.
والآن إلى تفصيل الكلام على السؤال الذائع
المُحدث: هل انتشر الإسلام بحد السيف؟!
والجواب: أن في هذا السؤال إجمال موهم, فهو
محتَمِلٌ لأكثر من مقصد, فإن كان القصد منه هذه الصيغة: هل أمر الله بالجهاد
لإكراه الناس وإجبارهم على الدخول في الإسلام_وهذا هو المتبادر لأذهان الكثير عند
طرق السؤال أسماعهم_؟ فالجواب قطعاً: لا.
أما إن كان القصد منه
هذه الصيغة: هل أمر الله بالجهاد في مناكب الأرض لدعوة الناس إلى الإسلام عبر
دعوتهم قبل قتالهم على الترتيب إلى اعتناقه, فإن أبوا فبدفع الجزية, فإن عاندوا
فبقتالهم قتالاً كريماً يحفظ حقوقهم كحفظ العقد, وإيفاء العهد, وإبرار الذمة,
واجتناب الُمثلة, والإحسان للأسرى, والكفّ عن الضعفى والزمنى والأطفال والنساء
والمنفردين في الصوامع..ونحو ذلك من آداب الجهاد النبوي؛ وكان القصد إزاحة
الطواغيت الجاثمة على حريّات الناس وإعطاء الفرصة للإسلام لإظهار حقائقه مع قرعِ
أفئدتهم وإيقاظها بجزية رمزية قد تكون أقل من نصاب الزكاة المفروض على المسلمين, فهذا
حق لا لبس فيه. والجواب فيه بالإيجاب.
ولك أن ترى الفرق بين إكراه الناس على الإسلام,
وبين إزاحة الطواغيت. فالأول قَيْدٌ للحريّة, وإدخال في نفق النفاق! أما الثاني فهو فتح
الحريّة للقلوب لتختاره إن شاءت عن قناعة ورضى ويقين. فإما الإسلام _وهو
الغاية الخالصة_ فيكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم, وإما الجزية, والجزية تعبير
عن تبعيته لولاية الإسلام, أو ما يسمى الحكومة الإسلامية, لذلك رُوعي فيها الذل
والصغار قرعاً لقلبه, وتنبيها لِلُبِّهِ علَّ إباء ذل الكفر وصغاره يُنفخُ فيه
فيسعد سعادة الدارين, فإن أبى إلا دينه الباطل؛ فلا إكراه في الدين, شريطة ألا يضل
الناس ويمنعهم من الدين القويم. أما إن أبى الرؤساء والكبراء إلا الجلاد؛ فلا بد
منه نصحاً ورحمة بأهل المعمورة أجمعين.
فالحوار بالحكمة والموعظة الحسنة يكون مع
المخالف ابتداءً, فإن لجّ في تردُّدِه, وتعلّق بشبهاته؛ فيُجادل بالتي هي أحسن
لهدايته اليه برفق, فإن عاند الحق وكابر الهدى بعد الظهور والبيان؛ فبالجلاد ما
أمكن, وبجرّه إلى الجنة بالسلاسل, وبإزاحة سلطانه عمن خلفه ممن استضعفهم واستخفهم "ولا تجادلوا أهل
الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا
وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" (العنكبوت: 46)
يا سادةَ الحضارةِ؛ ليس باللين فقط تكمل
الأخلاق! فقد يركب الحليم المجرب مراكب الخطر وأسنة الرماح دفعاً لثفال الباطل,
وإحقاقاً لمباني الهدى, وإمضاءً لشُهُب الحق ..بل أحياناً:
أحلامنا تزن الجبال
رزانة ... وتخالنا جِنّاً إذا ما نجهلُ
والكليم عليه السلام قال للمدعوِّ المتكبر:
"وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً" (الإسراء: 102) ورسول الهدى صلى الله
عليه وسلم قال للمدعويين: "أتيتكم بالذبح" رواه أحمد بسند حسن. وقال لمن
حكم بقتله لما قال: من للصِّبْيَة؟ قال: "النار"! رواه أبو داود وصححه
الألباني. ووضع الندى في موضع السيف بالعُلى مضرٌّ..
وبالجملة؛ فلكل حال لبوسه, فالأصل والقاعدة
الرفق واللين والتبشير والإحسان. والاستثناء عند موجبه هو الإنذار والشدة والقتل,
ويا منصور أَمِتْ!!
يا رفاق: لقد كدَّرَ شِرْبَ العلومِ شَوْبُ
الأهويةِ, فلكم تزعزعت بِقَالاتِ السوء أبنيةُ المتقين, ووهنت عزائمُ المؤمنين,
واضطربت ثوابتُ الزاهدين! ولكنهم لا يُعدمون نصح الناصحين:
وشمِّر فقد أبدى لك
الموت وجهَهُ ... وليس ينال الفوزَ إلا المُشمرُ
وأخلص لدين الله صدراً
ونيّةً ... فإن الذي تخفيه يوماً سيظهرُ
يا صاحبي: كم زُخرف باطل وسُوِّقَ, وَرُدَّ حقٌّ
وأُميت ..بركوب رواحل المجملات؟!
وسبيل الهدى هو التفصيل
لا الإجمال, خاصة عند معترك التنازع. ألا وإن كلام مسوِّقي بدعة نفي شرعيّة جهاد
الطلب؛ محضُ انهزام, يدل سائره على غابره, وأوله على آخره. ومراد أهل الأهواء من التكلم
بالعبارات المشتبهة المجملة خداع الجهلة وخبط أذهانهم بالمجملات, فلا يتنبهوا لها,
فيطيروا بهم لمهاجع الضلالة ومراقد الفتن! ولا يعني هذا ولا ما قبله ولا ما بعده
اتهام من قال بتلك البدعة بسوء النية والقصد, بل الغرض هتك باطله ودحض شبهته, وإلا
فهو أخو في الدين كريم, قد راجت عليه شبهة ظنها حقاً, أو هجمت عليه شهوة ظنّها
هيّنة, أو اختلط سيل الشهوة بأبطح الشبهة, وكم لأبي مِرَّة من شهوة في ثوب تأويل!
قال تقي الدين ابن تيمية مبيناً شر المجملات
عند التنازعات, وفي كلامه من نفس إمام السنة المبجل: "أهل البدع يتكلمون
بالمتشابه من الكلام, ويخدعون الناس بما يشبهون عليهم, مثل قولهم: ليس بمتحيز ولا
في جهة ولا كذا ولا كذا, فإن هذه ألفاظ مجملة متشابهة, يمكن تفسيرها بوجه حق,
ويمكن تفسيرها بوجه باطل" (الفتاوى الكبرى) ( 6 / 353 ) وقال: "وما
يذكره هؤلاء من تعظيم علوم الأسرار، والأمر بكتمانها عن الجمهور، وقصور الجمهور عن
إدراك حقائق، هو كلام مجمل, يقوله الصديق والزنديق!" (درء التعارض) (5/
85) كما ذكر رحمه الله قاعدة نافعة في المجملات,
فحينما تكلم في بعض العبارات قال: "لم يجز إطلاق
هذه العبارة إذا عنى بها المتكلم معنى صحيحاً، وهو يعلم أن المستمع يفهم منها معنى
فاسداً لم يكن له أن
يطلقها لما فيه من التلبيس إذ المقصود من الكلام البيان دون التلبيس"
الاستغاثة" (2/522) وقال: "إنّ كثيرا من نزاع الناس سببه
ألفاظ مجملة ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان، ويتعاديان
على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره، فضلاً عن أن
يعرف دليله"
الفتاوى (12/114) وقال ابن القيم رحمه
الله:
وعـلـيك بالتفصيل
والتبيين فالـ ... إجمال والإطلاق دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود
وخبـطا الـ ... أذهان والآراء كل زمـان
وقال ابن أبي العز رحمه الله مبيّنا معتقد
أهل السنة والجماعة: "والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو
سبيل أهل السنة والجماعة" شرح الطحاوية (1/ 71) وفي
ما ذكرناه مقنع لراغب الحق.
وبالجملة؛ فجهاد الطلب مر بأربع مراحل: المنع,
ثم الإذن, ثم الأمر بقتال من قاتل, ثم الأمر بقتال المشركين كافة إما على الفرض
العيني أو الكفائي وهو الأظهر, وقد بسط ذلك شيخا الإسلام في
كثير من مصنفاتهما.
وقال شيخ الإسلام في هذه القضية المشغوب بها:
"ثم أنزل في براءة الأمر بنبذ العهود وأمرهم بقتال
المشركين كافة, وأمرهم بقتال أهل الكتاب إذا
لم يسلموا, حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون, ولم يبح لهم ترك قتالهم وإن سالموهم وهادنوهم هدنة مطلقة مع إمكان جهادهم"
(الجواب الصحيح: 1/ 233) وقال أيضاً: "وجملة ذلك أنه لما نزلت
براءة أُمر أن يبتدىء جميع الكفار بالقتال وثنيهم وكتابيهم, سواء كفوا عنه أو لم يكفوا" )الصارم
المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم:410) وقال:
"كل من بلغته دعوة
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجب له, فإنه يجب
قتاله"(مجموع الفتاوى: 28/ 349) وقال ابن
القيم: "وأما جهاد الطلب الخالص فلا يرغب فيه إلا
أحد رجلين؛ إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي
العليا ويكون الدين كله لله, وإما راغب في المغنم والسبي, فجهاد الدفع يقصده كل
أحد ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعاً وعقلاً, وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين" (الفروسية:
187_188(
أما قضية الهدنة أوالصلح إلى أمدٍ أو إلى غير إمدٍ؛
فليست مما نحن بسبيله, فلا تَرِدُ علينا.
"شبهة انتشار الإسلام
بالسيف والإكراه عند غير المسلمين"
ولرواج هذه الشبهة منذ عهود الاستشراق؛ سأبسط
القول فيها فأقول وبالله أحول وأصول:
لما بهر الإسلامُ أعداءه بكماله وجماله،
ورأوه يتمدد بسرعة في الأمصار، ويفتح القلوب قبل البلدان؛ حاولوا أن يجعلوا بين
الناس وبينه حواجز فكرية كي لا يرخوا آذانهم لبيانه، ولا يصغوا لآياته، وهذا ديدن
المشركين منذ القدم، ومن تلك الشبهات والحواجز التي ألقوها في مجتمعاتهم المتململة من
ديانتها النصرانية الوثنية, المتشوّفة إلى دين الرحمة والكمال والجمال والجلال شبهة
إكراه الناس على اعتناقه, فقالوا: إن دخول الناس في الإسلام كان بالسيف والإكراه,
إذن فهو دين كراهية وإجبار, لا دين حرية وقناعة! كل هذا من أجل إلصاق الكراهية في
نفوس البقية الباقية من المتشوِّقين الناظرين لتعاليمه وتطبيقاته، وأنى لهم ذلك
"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون . هو
الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"
(الصف: 8_9)
ثم نقول لكل منصفٍ حُرٍّ نبيلٍ:
هل ذنب الإسلام أن نبيه لم يسلّم نفسه
للقتل والصلب؟!
هل ذنب الإسلام أن هاجر نبيه وكوّن
دولة متينة وبنى حضارة نبيلة كريمة، ودافع عنها ببسالة وتضحية؟!
هل ذنب الإسلام أن دعا الناس بالحسنى
والإقناع حتى دخلوا فيه أفواجًا، فكانت كل قبيلة توفد للمدينة أعقلها رأيًا،
وأنفذها بصيرة، وأكيسها حجةً، حتى ينظروا حال النبي صلى الله عليه وسلم ومقاله
فيعودوا وقد بايعوه على الإسلام، ورجعوا هداة لقومهم؟!
هل ذنب الإسلام أنه يقدم العفو
والمسامحة والإحسان على العقوبة والانتقام، فملك قلوب أعدائه فأسلموا؟! "ولا
تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي
حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من
الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" (فصلت: 34_36)
هل ذنب الإسلام أن بدأ مخالفيه
بالدعوة بالحكمة والبيان, وتوضيح الحجج وكشف الشبه، ثم ثنّى بالموعظة الحسنة وذكر
يوم القيامة والترهيب من هول الموقف بين يدي العزيز الجبار سبحانه، وذكر الجنة
والنار حتى تلين قلوب الغافلين، وتستيقظ أفئدة اللاهين، ثم ثلّث بالمجادلة
والمحاورة بأحسن الطرق وأجمل الأساليب "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: 125]، فإن حال بين الناس وبينه قوى مانعة
من إبلاغه أزالها بالسيف على قدر الحاجة, لأن من الظلم ترك الطواغيت تحول بين
الناس وبين هداها، بل تزال الطواغيت ثم يعرض الدين على الناس فإن قبلوه فحسن وإلا
لم يكرهوا عليه بأي حال من الأحوال، والنصوص شاهدة والتاريخ ناطق بصحة ذلك.
وليس كحال منظمات التنصير العالمية, التي تستغل حاجة وفقر ومرض المسلمين
لتنصيرهم وإضلالهم. ولولا أن المسيحية المبدلة باطلة ما بقي على ظهر الأرض أحد إلا
دخلها لعظيم جهد المنصرين، ولولا أن الإسلام حق ما بقي في المسلمين أحد إلا اعتنق
النصرانية، ولكن
العاميّ الواحد من المسلمين بصفاء فطرته، وبداهة عقله، يستطيع كشف شبهات أكبر
القساوسة، بل ويهتك أصولهم، ناهيك عن أهل العلم والمناظرة! قال تعالى: "هو
الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً"
[الفتح: 28] وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه»
متفق عليه. ولا زال علماء المسلمين يناظرون علماء النصارى ويفلجونهم ويكتسحونهم في
المناظرات والحوارات، ومن أشهر المعاصرين الشيخ أحمد ديدات رحمه الله ولا زالت
مناظراته مسجلة مسموعة ومرئية ومقروءة.
إن الإسلام العظيم دين عالمي، وهو رسالة إلهية
إلى جميع البشر، وقد أخذ حملته على عاتقهم إبلاغ هذه الرسالة الهادية الرحيمة
بأحسن الأساليب وأرقى التعاملات، ففي البداية بإرسال الرسائل أو المشافهة المباشرة
كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرسل إلى كسرى وقيصر والمقوقس وحاكم
عمان والبحرين وغيرها، ثم بإرسال الدعاة الهداة، ثم بإرسال الجيوش الفاتحة التي
تقف على الحدود، ولا تدخل البلدان فجأة ولا خلسة ولا غدرًا، بل تراسل الحكومات
وتطلب منها الدخول في الإسلام عن اختيار وطواعية فإن أسلموا فلهم كل ما للمسلمين
وعليهم كل ما عليهم بلا عنصرية ولا طبقية ولا تعصب، فإن أبوا ذلك فهناك خيار سلمي
ثان مبذول لهم وهو دفع الجزية للمسلمين وهي رمزية لتبعية تلك الحكومة للدولة
الإسلامية، والجزية موجودة في الكتاب المقدس لدى أهل الكتاب (البيبل).
فالجزية كانت موجودة في شرائع العهد القديم
والجديد (يشوع 16: 10) (أخبار الأيام (2) 24: 2) (أخبار الأيام (2) 8: 7) (متى 21:
17ــ 21) (رومية 13: 1ــ 7) قالت كارين في كتابها (القدس) (ص391): «والجزية التي فرضت على
اليهود والنصارى كانت أقل من الزكاة المفروضة على المسلمين، فقد كانت الجزية
دينارًا واحدًا عن الأسرة في العام، أما الزكاة فكانت نسبة ثابتة من رأس المال ومن
الثمار والحبوب والأغنام والإبل... وقد أُعطي من الجزية الشيوخ والأرامل والعاجزين،
وكان لهم نصيب ثابت يأخذونه من بيت مال المسلمين ما يكفيهم لحياة شريفة».
فغاية الجزية شريفة وغرضها نبيل ومن حكمتها
الوصول إلى عامة ونخب الناس ودعوتهم بهدوء وإقناع للدخول في الدين، فإن أبت
الحكومات ذلك فإن الدولة الإسلامية تكون قد اضطرت إلى السيف بعد استنفاذ كل
الوسائل السلمية، مع ذلك فاستـخدام القوة قد قيّد بضوابط صارمة وتعليمات حازمة حفظًا
لكرامة بني الإنسان من الانتهاك أو الانتقاص، فمنع أفراد الجيش
المسلم من الظلم والنهب والاغتصاب وقتل غير المقاتلين، ومن إهلاك الحرث والنسل ومن
جميع ضروب الإفساد، والجندي المسلم مُطالب أن يفتح القلوب قبل البلدان، وبأن يكون
في الغاية من الرقي الحضاري الأخلاقي، قال الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه في
وصيته لقائد جيشه ــ وقد أخذ هذه الوصايا من نبيه صلى الله عليه وسلم ــ: «لا
تـخونوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخًا، ولا تقطعوا نخلاً
ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا
لمأكله، وسوف تمرون على قوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء، وقال زاجرًا جنده لما رأى
امرأة قتيلة: «ألم أنهكم عن قتل النساء؟!»رواه البخاري، وقال: «ما كانت هذه
لتقاتل» رواه البخاري ونهى كذلك عن المُثلة. وهي التمثيل بالجسد وتقطيعه وبقره بعد
موته.
إن الهدف الأسمى للجهاد في سبيل الله, في فتح
البلاد هو بعث حرية الناس, ونفخ روح الخيار الذاتي فيها بإزالة القيادة الكفرية
التي تتحكم في أمر العامة وتحول بينهم وبين معرفة حقيقة الإسلام، وكما قال تعالى:
"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما
يعملون بصير" [الأنفال: 38] والفتنة هي الشرك. فإذا تولى المسلمون القيادة،
وخالطوا أهل البلاد المفتوحة، وأروهم عظمة الإسلام وجماله وجلاله وكماله بفعلهم
وتطبيقهم قبل قولهم ومنطقهم، وأظهروا حسن مبادئه، وعدلوا فيهم، بل ورحموهم، كما
كانوا يسقطون عنهم الجزية في حال فقرهم وعجزهم، وينفقون عليهم من بيت المال ما
يكفيهم، ويمنعون أحدًا من ظلمهم ويمنعونهم من ظلم بعضهم لبعض، ولما ضرب أحد أبناء
الولاة المسلمين أحد الأقباط بمصر استدعاه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمدينة
وأقاده منه، وقال كلمته المشهورة التي عبرت البحار وطارت خلف الجبال وتذاكرها
السمّار والخطباء: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!» وقد صارت
فيما بعد هي القرار الأول لحقوق الإنسان في المنظمات العالمية. ولما رأى الناس هذا
العدل وتلك الرحمة فتحوا قلوبهم لهداية الإسلام، فأضحوا من أهله ودخلوا في دين
الله أفواجًا، فهم قد أيقنوا وشاهدوا الهدف الأساسي من الجهاد في سبيل الله ألا
وهو صالحهم وهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وليس توسعة البلاد ماديًا
وجلب الأموال لخزائنها بل توسعة البلاد روحيًا والسعي لنصح الناس ونشر الرسالة
السماوية الخالدة، وإيصال رحمتها إلى سويداء قلوب العالمين، ولما أتى خليفة
المسلمين عمر الذي سحق دولة الأكاسرة، وأزال دولة القياصرة، رآه الناس داخلاً بيت
المقدس لاستلام مفاتيحها، وشاهدوه وهو يمشي على رجليه يقود البعير الذي يحمل خادمه
قالوا: «والله ما هذه بأخلاق الملوك، إنما هي قبس من نور الأنبياء».
ولك أن تتأمل وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
لصهره وقائد جيشه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أرسله لفتح خيبر وأعطاه الراية، وبشره
بالفتح وقال: «انفذ على رسلك (أي بتؤدة ولين ورفق) حتى تنزل بساحتهم (أي تقترب من
حصونهم وتقف على مكان يرونك ويسمعونك، بدون طيش وأصوات مزعجة، ومن غير ضعف ولا
انتقاص عزيمة) ثم ادعهم إلى الإسلام (وهذا غاية المطالب؛ فالقصد من الجهاد هو
هدايتهم للإسلام، فمع أنهم قد دُعوا من قبل للإسلام وأبوا، فأمره بتكرار الدعوة
لهم حتى يعلموا أنه القصد من الجهاد، وليس التشفي بهم، أو أخذ أموالهم، بل هدايتهم
وإنقاذهم من هلكة الكفر ومباءة الضلال) وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى
فيه (فأكد على أن الإسلام هو محض حق الله تعالى وحده، ثم ختم الوصية بهذه الجملة
الرائعة الرائدة لكل محب للبشرية، طامع في الزلفى إلى رب البرية) فوالله لأن يهدي الله
بك رجلاً خير لك من حمر النعم» متفق على صحته. وحمر النعم هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال
العرب، فأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيته بالقسم؛ أن هداية إنسان واحد
للإسلام، وإنقاذه من غضب الله وعذابه؛ خير من امتلاك الدنيا بأطرافها.. فهل بعد
هذه الوصية النبوية السامية، والرحمة المحمدية الهادية، من مأخذ على الإسلام؟!..
كلا وربي!
لقد دخل الجيش الإسلامي إلى طشقند في المشرق،
فأرسل أهلها إلى الخليفة الأموي في دمشق أن الجيش لم ينذرهم بل بغتهم، فاستشار
الخليفة علماء المسلمين فأمروه بإخراج جيش المسلمين إلى خارج أسوار مدينة طشقند وأن لا
يبقى فيها جندي مسلم واحد، والالتزام بدعوة المدينة للإسلام أولاً ثم الجزية ثانيًا فإن
أبوا فالقتال عن بيّنة، وقد امتثل الجيش المسلم لذلك فخرج عن المدينة الحصينة،
فلما أغلق أهلها الأبواب، وتمت لهم المنعة فتحوها مرة أخرى طواعية واختيارًا وحبًا
وانبهارًا بهذه الأخلاق العالية الجميلة, ودخلوا في الإسلام بدون قطرة دم، وهذه
غاية الجهاد في سبيل الله أن تكون كلمة الله هي العليا, وهي لا إله إلا الله, محمد
رسول الله.
لقد كان نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه
يدعو لقومه بالهداية وبالمغفرة, حتى يوم كسرهم لثنيته وشجهم لوجهه وإدخالهم حلقتي
المغفر في وجهه لما غزوه في أحد, وهو يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم
لا يعلمون» متفق عليه. ويحتمل أنه أراد حكاية قول النبي الحاكي قصته، وانظر
كلام ابن حجر في شرح الحديثين (3477، 6929).
وكان يوصي سراياه بقوله: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا
ولا طفلاً ولا امرأة...». رواه مسلم وأبو داود.
ولا غرابة فربُّهُ تعالى قد رباه على الرحمة
والرأفة والحكمة، ففي محكم التنزيل: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على
الله إنه هو السميع العليم" [الأنفال: 61]، "وإن أحد من المشركين
استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون"
[التوبة: 6]، "ادع إلى سبيل ربط بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين . وإن عاقبتم فعاقبوا
بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين . واصبر وما صبرك إلا بالله ولا
تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون . إن الله مع الذين اتقوا والذين هم
محسنون" [النحل: 125ــ 128]، "ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما
يصفون" [المؤمنون: 96]، "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد
إيمانكم كفاراً حسداًمن عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى
يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير" [البقرة: 109]، "وجزاء سيئة
سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين" [الشورى:
40]، "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كانوا
يكسبون . من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون"
[الجاثية: 14، 15]، "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره
الناس حتى يكونوا مؤمنين" [يونس: 99]، "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد
من الغي" [البقرة: 256]، "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً
وأسيراً" [الإنسان: 8]، "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله
فتبينوا" [النساء: 94].
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قادرًا
على إرسال فدائيين لمكة في جنح الليل لكسر الأصنام، لكنه لم يفعل لأنه يريد كسرها
في قلوبهم أولاً حتى يكسروها هم بأيديهم في ثاني الحال إذا ثبت لهم أنها لا
تضر ولا تنفع، فقد كانوا متعلقين بها يرجون نفعها ويخافون ضرها، حتى قال زعيمهم
أبو سفيان _ وقد أسلم في فتح مكة وحسن إسلامه_ في أحد مفتـخرًا بأوثانه وأصنامه
مستجلبًا نصرها: أعل هُبَل (صنم كان في جوف الكعبة) فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم رجاله أن يردوا عليه بقولهم: «الله أعلى وأجلّ»، فقال أبو سفيان: لنا العزّى
ولا عزّى لكم (وهي شجرة كانوا يعبدونها) فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يقولوا:
«الله مولانا ولا مولى لكم».
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق
أصحابه لما جرّدوا توحديهم لربهم تعالى فنصرهم حتى عادوا وفتحوا مكة، وكسر صلى
الله عليه وسلم أصنامها بنفسه وهو يردد: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل
كان زهوقاً" [الإسراء: 81] فسحق كل الأصنام التي في الحرم، وهناك علم
المشركون أن أصنامهم لا تغني عنهم، وأن الله هو المولى الحقيقي والناصر الغالب،
وتكسرت الوثنية في صدورهم وهدمت في قلوبهم، فملأها التوحيد والإيمان، ودخلوا في
دين الله العظيم القويم، وصاروا من قادة الإسلام. وهكذا يعصف التوحيد بالوثنِ.
لقد أخذ المسلمون هذا الدرس العملي وطبقوه في
فتوحاتهم، فبعد سنين طويلة فتح محمود بن سبكتكين بجيشه المسلم ربوع الهند حتى وصل
إلى أكبر معبد فيها، وقد جمعوا فيه كبار آلهتهم وأصنامهم، ومنها صنم كبير قد صاغوه من
الذهب الأحمر الخالص، ورصّعوه بأنفس الجواهر واليواقيت والزبرجد والألماس فأمر
بكسرها وحرقها، ثم عرضوا على محمود أن يعطوه أحمال الذهب والفضة والجواهر على أن
يترك لهم تلك الأصنام ــ مع شدة حاجة المسلمين إلى المال حينها ــ فأبى ذلك بعزة
إسلامية، وقد قولته الخالدة: «إذا وقفت الأشهاد بين يدي رب العباد في يوم المعاد، فأريد أن
أُنادى بين يدي الله تعالى: هذا كاسر الأصنام وهادم الأوثان» وفعلاً هدمها وحرقها،
فلما علمت الهنود أن آلهتهم لم تغن عنهم من الله شيئًا دخلوا في الإسلام حتى صاروا
من قادته ورؤسائه وسادته، ولا زالوا حتى اليوم وقد جاوزت أعدادهم الملايين، فلله
الحمد والمنة على نعمة الإسلام.
ثم كيف يستقيم الزعم بأن الإسلام قد انتشر
بالسيف, ونحن نرى أن أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان هي إندونيسيا التي فاق
سكانها مئة مليون مسلم, مع العلم بأنه لم يطلق في بلدهم رصاصة واحدة ولم تنهر قطرة
دم واحدة من أجل إدخالهم في دين الله؟!
وماليزيا غالبيتها
مسلمون ولم يطأ بلادهم جندي مسلم واحد؟!
لقد رأوا في أخلاق تجار المسلمين وحسن سيرتهم
واتفاق ظاهرهم مع باطنهم وجمال شعائرهم، ما ملأ قلوبهم الضامئة للحق، ونفوسهم
المتلهفة للتوازن الروحي الجسدي.
لقد انتشر الإسلام بسيف الوحي والفكر والعلم
والدعوة الحسنة والقدوة المثالية، أما سيف البطش فكان لإزالة العقبات المادية عن
القلوب ليس إلا.
وتأمل الشهادة المنصفة للمؤرخ النصراني هــ.
سانت. ل. موس في كتابه (ميلاد العصور الوسطى) حيث كتب مشكوراً: «أقام المسلمون
والعرب في مصر دولة تتصف بالسماحة والتسامح المطلق مع باقي الأديان، ولم ينشروا عقائدهم
بالقوة، بل تركوا رعاياهم أحرارًا في ممارسة عقائدهم بشرط أداء الجزية، فقام النصارى
باعتناق الإسلام رويدًا رويدًا، وكان الاضطهاد الروماني (النصراني) وكثرة الضرائب والقهر الديني
(الكاثوليكي) لشعوب مصر والشام سببًا في ضياع ولاء هؤلاء للدولة البيزنطية (النصرانية)
بل ساعدوا المسلمين. ولقد قام البيزنطيين بمذابح بشعة ضد اليهود أيضًا لأجل
تنصيرهم بالإكراه، ولقد عرض الإمبراطور هرقل عقيدة روما في المسيح (الطبيعتين
والمشيئتين) على سكان مصر والشام المؤمنين بعقيدة الطبيعة الواحدة في المسيح،
فرفضوا عقيدة روما، فأنزل بهم الرومان أشد أنواع التنكيل، وعندما انتصر المسلمون
على الروم ساد الفرح الشعوب النصرانية الشرقية، واعتبروا أن هذا هو
عقاب السماء للرومان الكفار (هراطقة خلقيدونيا الكاثوليك)... وقد دخل المسلمون مصر
بدون إراقة نقطة دم واحدة، أو تدمير ممتلكات، بل تم إخضاعها سلميًا».
وقال الدكتور أحمد سوسة ــ وكان يهوديًا فأسلم وهو
مهندس عراقي ــ: «وجد اليهود تحت راية الإسلام أمنًا وعدلًا، واتقوا شر
الاضطهاد والاعتداء... » في طريقي للإسلام (ص85).
وقال ول ديورانت: «المسيحيون كانوا في
كثير من الأحيان يفضلون حكم المسلمين على حكم أهل ملتهم» قصة الحضارة (13/
297). وقال: «كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون, يستمتعون
في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرًا في المسيحية هذه
الأيام» السابق (13/ 130، 131).
والعجب أن من يحمل كبر هذه الافتراءات هم
رجال الكنيسة المسيحية (المبدلة بالطبع)!! وتناسوا وتعاموا وتغافلوا عن أن كنيستهم
قد قامت على الدم والجماجم والظلم والاضطهاد، ومن له أدنى دراية بالتاريخ يدهش
ويصعق من فضاعة تلك الأخبار الشنيعة، ونقول لهؤلاء:
ألم تقم الكنيسة الرومانية بقتل المخالفين
بالسيف، وإحراق أناجيلهم؟!
ألم تقم الحروب بين الكنائس دهورًا، وراح ضحيتها مئات
الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال والرجال المظلومين في القرون الوسطى المظلمة؟!
أي في أوروبا، أما الإسلام فكان عصره زاهرًا.
ألم تتحارب الكنيستين وتكفر إحداهما الأخرى وكلّاً منهما تصدر صك
الحرمان للأخرى وصك الغفران لأتباعها؟!
ألم تقم محاكم التفتيش البشعة بكل ألوان الهمجية
التي عرفها بنو آدم ضد المسلمين واليهود والنصارى المخالفين في أسبانيا؟ بل وطال
حتى من هرب لهولندا وإنجلترا.
كذلك أفلم تقم الجيوش الصليبية بالحرب
المقدسة! ضد المسلمين في الشام فقتلت في بضعة أيام تسعين ألفًا من الأبرياء، جلّهم من الأطفال
والنساء؟!
ألم يتفننوا في إحراق أسراهم بالنار وهم يشربون نخب ذلك
النصر المقدس؟!
ألم تُجرم جيوش النصارى الأوروبيين بالهنود
الحمر ــ أهل أمريكا الأصليين ــ وتقترف في حقهم أشنع الجرائم في
التاريخ الأمريكي على الإطلاق؟!
ألم
يحرقوهم، ويبيدوهم، ويبقروا بطون الحوامل، ويلقوا الرجل للكلاب الضارية ويجعلوا الأطفال
أهدافًا لتدريب القناصة؟! ولا عجب فهم يقرؤون في كتابهم المقدس عن داود عليه السلام ــ
وكذبوا ــ: «وأخرج الشعب الذين فيها ووضعهم تحت المناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد
وأمرّهم في آتون الأجر وهكذا صنع بجميع مدن بني عمون» (صموئيل (2) 12: 31) وغيرها
كثير لا يحصر، ونوارج الحديد آلات زراعية ضخمة لسحق الحبوب، وآتون الأجر هي أفران الغاز! فهل كان هتلر يرد لهم الصاع الأوفى؟!
ألم تقم الحربين العالميتين المدمرتين على
أطماع الدول المسيحية البولسية؟!
ألم يهلك في الحرب العالمية الثانية سبعون مليونًا من البشر سوى المصابين والزمنى
وهدم البنى التحتية وتسميم الهواء والكوارث البيئية بالأسلحة التقليدية والجرثومية
والكيميائية والنووية... كل هذا قربانًا لأطماع قادة المسيحية المبدلة؟!
هل راعت أمريكا البروتستانتية الأبرياء في
هيروشيما ونجازاكي بحرقهم دفعة واحدة بالسلاح النووي وتشويه من بقي حيًا إلى أجياله
المتعاقبة؟!
هل راعى الكاثوليك الألمان البروتستانت الإنجليز
حين أمطروا لندن بقنابل كالمطر لا تبقي ولا تذر؟!
ثم ألم يكن الرد أعنف وأبشع بإحراق
برلين بالقصف الكثيف وتدمير المساكن على الأبرياء، وإهلاك الحرث
والنسل؟!
ألم تكن الدول الصليبية هي من سيرت ملايين
الجنود الذين لا حيلة لهم في مجاهل سيبيريا وبردها المميت، تارة بدفع الكاثوليك
الألمان وأخرى أسارى مقيدين من الروس الأرثوذكس فأهلكهم البرد والجوع والأوبئة
والقنابل والرصاص؟! أما مئات الألوف من مسلمي القوقاز الذين قضوا في ثلوج سيبيريا
الرهيبة, فالله وحده يعلم الأهوال التي أكلتهم بنسائهم وأطفالهم!
أهذا دين السلام الذي تزعمون؟!
أفلا يستحيي مورد تلك الفرية على دين الرحمة
والسلام, الذي شدد في تحريم قتل المدنيين العزل بل حتى إتلاف الحرث والزرع
والحيوان؟!
ألم تقم بريطانيا (العظمى!) البروتستانتية بتقديم جنودها من
الراجلة الهنود أمام جنودها النظامية البيض أثناء عبور حقول الألغام؟!
ألم تقم صربيا الأرثوذكسية بالمذابح الجماعية
المروعة ضد المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا، وإخفائهم في مقابر جماعية كسربنتشيا؟!
ألم تنتقم أمريكا رأس النصرانية الحالية من المسلمين بقتل مليوني
مسلم أكثرهم من المدنيين في العراق، وشوّهت المواليد بقذائف البلوتونيوم واليورانيوم المشع، ومنعت دخول حليب
الأطفال ودواءهم للعراق حتى مات نصف مليون طفل عراقي مسلم؟!.
ألم يقتحم جنود أمريكا الصليبيون مكتبة بغداد
الكبرى التي حوت أروع نفائس الكتب ثم حرقوها بالنار في همجية تاريخية؟!
ألم تقصف أمريكا النصرانية وحلفاؤها النصارى قرى مدنية في أفغانستان وسوتها بالتراب على من
فيها؟!
ألم تقصف أمريكا بقنابلها الهائلة ثلاثة أعراس
للمدنيين الأفغان العزل, وتئد فرحتهم وتحولها إلى مآتم بحجة الاشتباه بوجود بعض
المقاتلين بينهم؟!
أليست أمريكا البولسية هي صاحبة السجنين ــ
سيئي الذكر ــ أبو غريب وجوانتنامو اللذين أنسيا الناس سجن الباستيل, وما قبله بمعدلات
تجاوزت حقوق الإنسان وألغتها في سجية أمريكية بامتياز.
ألم تزرع الدول النصرانية بدءًا ببريطانيا
حتى أمريكا دولة الصهاينة في أرض الإسلام بقوة السلاح، وقتل المدنيين أهل
الأرض، وإحلال اليهود ــ قتلة المسيح حسب عقيدة النصارى ــ مكانهم؟!.
ونقول:
إن كانت دعواكم بالدين فالدين هو الإسلام وهو الدين الذي لا يقبل الله سواه، وإن
كانت بالتاريخ فمن المعلوم أن الفلسطينيين هم من عمر تلك الأرض من تاريخها الغابر
وفي سفر الخروج (5: 14): «تأخذ الرعدة سكان فلسطين» وفي هذا إثبات أنهم أهلها قبل
اليهود.
قالت كاريل آرمسترونج في كتابها (القدس): «لم تشهد القدس في
تاريخها الدموي الطويل سلامًا إلا حين فتحها المسلمون بقيادة عمر بن الخطاب، وحين
أعادوا فتحها بقيادة صلاح الدين»، وقالت (ص671): «ولم يتمكن اليهود من دخول
المدينة المقدسة إلا في ظل الفتح الإسلامي في مناسبتين فقط هما: في عهد عمر, وعهد
صلاح الدين».
وقال الفيلسوف النصراني جان لوك في النصرانية:
«هي
ديانة سفّاكة وقتّالة، وتتعامل بالسيف مع كل من يقاومها». (المسيحية) للشيخ
ساجد مير (ص318).
وقال كارلايل: «لم يحوّل شارلمان
الساكسون إلى المسيحية بالدعوة ولكن بالسيف» عن الأبطال وتمجيد
البطل، توماس كارلايل (ص80).
وأحيل القارئ الكريم إلى مقالي (أخلاق الكنيسة) على هذا الرابط الذي
بين وحشية الكنيسة في تعاطيها مع المخالفين ولو كانوا من نفس النحلة:
http://aldumaiji.blogspot.com/2012_03_01_archive.html
للمقال بقيّة...
وصلى الله وسلم وبارك
وأنعم على عبده ورسوله محمد.
إبراهيم الدميجي
21 محرم 1433
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق